ولما أنهى الكلام على القصاص شرع في الكلام على الدية وذكر أنها تختلف باختلاف الناس بحسب أموالهم من إبل وذهب وورق فقال .
( درس )
رفقا بمؤديها ( بنت مخاض وولدا لبون ) أي بنت لبون وابن لبون ( وحقة وجذعة ) من كل نوع من الخمسة عشرون ( وربعت في عمد ) لا قصاص فيه كأن يحصل عفو عليها مبهمة ، أو يعفو بعض الأولياء مجانا فللباقي نصيبه من دية عمد ( بحذف ابن اللبون ) من الأصناف الخمسة فتكون المائة من الأصناف الأربعة الباقية من كل خمس وعشرون ( وثلثت ) أي غلظت مثلثة ( في الأب ) أي عليه ، وإن علا ، والأم كذلك فلو قال في الوالد لكان أشمل ( ولو ) كان الوالد ( مجوسيا ) وتحاكموا إلينا ، والتثليث في حقه بحسب ديته ، وهو ثلث خمس واتكل ( ودية الخطإ ) في قتل الذكر الحر المسلم ( على البادي ) هو خلاف الحاضر مائة من الإبل ( مخمسة ) المصنف في ذلك على وضوحه ومعرفته مما يأتي له ، فالتثليث فيه جذعتان وحقتان وخلفتان [ ص: 267 ] وثلثا خلفة ( في ) قتل ( عمد ) لولده ( لم يقتل ) الأب ( به ) وضابطه أن لا يقصد إزهاق روحه فإن قصده كأن يرمي عنقه بالسيف ، أو يضجعه فيذبحه ونحو ذلك ، فالقصاص فإن عفى عنه على الدية مبهمة ثلثت وشبه في التغليظ قوله ( كجرحه ) أي فكما أن التغليظ يكون في النفس كذلك يكون في الجرح من تربيع ، أو تثليث ولا فرق في الجرح بين ما يقتص منه كالموضحة وما لا يقتص منه بلغ ثلث الدية كالجائفة أم لا ، فالعمد في الجراح كالعمد في النفس في التغليظ بنسبة ما لكل جرح من الدية في النفس ، ثم بين التغليظ بالتثليث في النفس بقوله ( بثلاثين حقة وثلاثين جذعة وأربعين خلفة ) بفتح الخاء المعجمة وكسر اللام الحامل من الإبل ( بلا حد سن ) ، فالمدار على أن تكون حاملا سواء كانت حقة ، أو جذعة ، أو غيرهما ( وعلى الشامي ، والمصري ، والمغربي ألف دينار ) شرعية ، وهي أكبر من الدنانير المصرية كما تقدم في الزكاة وأهل الروم كأهل مصر ، وكذا مكة ، والمدينة ( وعلى العراقي ) ، والفارسي ، والخراساني ( اثنا عشر ألف درهم ) شرعية بناء على أن صرف الدينار اثنا عشر درهما ولا يزاد على ذلك ( إلا في المثلثة ) ، وهي ما على الأب في قتل ولده عمدا ( فيزاد ) في الذهب ، أو الورق ( بنسبة ما بين الديتين ) أي يزاد على قيمة المخمسة بقدر نسبة زيادة قيمة المثلثة على قيمة المخمسة ، فالمراد بالديتين المخمسة ، والمثلثة وفي الكلام حذف المستثنى منه وحذف مضاف من الأول ، والثاني وحذف المزيد عليه ، والمنسوب إليه .
وحاصله أن تقوم المثلثة حالة وتقوم المخمسة على تأجيلها ويؤخذ ما زادته المثلثة على المخمسة وينسب إلى المخمسة فما بلغ بالنسبة يزاد على دية الذهب ، أو الفضة بتلك النسبة مثاله لو كانت المخمسة على آجالها تساوي مائة ، والمثلثة على حلولها تساوي مائة وعشرين ونسبة العشرين إلى المائة قيمة المخمسة الخمس فيزاد على الدية مثل خمسها فتكون من الذهب ألفا ومائتين ومن الورق أربعة عشر ألف درهم وأربعمائة وعلم من الاستثناء أن الدية المربعة لا تغلظ في الذهب ، والورق ( والكتابي ) [ ص: 268 ] الذمي ( و ) الكتابي ( المعاهد ) أي الحربي المؤمن ( نصف ديته ) أي الحر المسلم فتكون من الإبل ستة أبعرة وثلثي بعير ومن الذهب ستة وستين دينارا ، أو ثلثي دينار ومن الورق ثمانمائة درهم وقيل لا دية للمرتد ، وإنما على قاتله الأدب ، وهو الذي مشى عليه ( والمجوسي ) المعاهد ( والمرتد ) دية كل منهما ( ثلث خمس ) المصنف أول الباب بقوله كمرتد ( و ) دية ( أنثى كل ) ممن ذكر ( كنصفه ) فدية الحرة المسلمة نصف الحر المسلم ، وهكذا ( وفي ) قتل ( الرقيق قيمته ) قنا ولو مدبرا ، أو أم ولد ، أو مبعضا كمعتق لأجل لذلك الأجل ( وإن زادت ) قيمته على دية الحد ; لأنه مال أتلفه شخص كسائر الأموال ( وفي ) إلقاء ( الجنين ، وإن علقة ) بضرب ، أو تخويف ، أو شم ريح ( عشر ) واجب ( أمه ) من زوج ، أو زنا وأما من سيدها فسيأتي ( ولو ) كانت أمه ( أمة ) وواجب أمه إن كانت حرة الدية ، وإن كانت أمة القيمة وسواء كانت الجناية عمدا ، أو خطأ من أجنبي ، أو أب ، أو أم كما لو شربت ما يسقط به الحمل فأسقطته وأشار بلو لرد قول في جنينها ما نقصها ; لأنها مال كسائر الحيوان ( نقدا ) أي معجلا من العين فاستعمل النقد في الحلول ، والعين ويكون في مال الجاني إلا أن تبلغ ثلث ديته فعلى العاقلة كما لو ابن وهب ( أو غرة ) بالرفع عطف على عشر ، والتخيير للجاني لا لمستحقها ، وهو في جنين الحرة وأما جنين الأمة فيتعين فيه النقد وقوله ( عبد ، أو وليدة ) بدل من غرة ، والوليدة الأمة الصغيرة أقل سنها سبع سنين ولذا عبر بوليدة دون أمة لئلا يتوهم اشتراط كبرها وقوله ( تساويه ) نعت لغرة وضميره يعود على العشر أي تساوي عشر دية أمه الحرة وتقدم أن ضرب مجوسي حرة مسلمة فألقت جنينا ميتا ( والأمة ) الحاملة ( من سيدها ) الحر المسلم جنينها كالحرة المسلمة فيه [ ص: 269 ] عشر ديتها ( و ) الحرة ( النصرانية ) ، أو اليهودية فلو قال الذمية كان أشمل ( من ) زوجها ( العبد المسلم كالحرة ) أي المسلمة ; لأنه حر من جهة أمه مسلم من جهة أبيه وأما لو كان زوجها كافرا ، أو كان الجنين من الزنا فكالحرة من أهل دينها ومحل وجوب العشر ، أو الغرة ( إن زايلها ) أي انفصل عنها ( كله ) ميتا حالة كونها ( حية ) فإن انفصل كله بعد موتها ، أو بعضه ، وهي حية وباقية بعد موتها فلا شيء فيه ويتعلق الكلام بأمه ، ثم استثنى من وجوب الغرة قوله ( إلا أن يحيا ) أي ينفصل عنها حيا حياة مستقلة بأن استهل صارخا ، أو رضع كثيرا ونحو ذلك سواء زايلها حية ، أو ميتة ، فالاستثناء منقطع ، ثم مات ( فالدية إن أقسموا ) أي ، أولياؤه أنه مات من فعل الجاني ( ولو مات ) الجنين بعد تحقق حياته ( عاجلا ) فإن لم يقسموا فلا غرة كما لا دية ( وإن تعمده ) أي جنين الأمة يتعين فيه النقد ( ففي القصاص ) بقسامة ، أو الدية بقسامة في ماله للتعمد ( خلاف ) الراجح في تعمد البطن ، أو الظهر القصاص وفي تعمد الرأس الدية في ماله كتعمد ضرب يد ، أو رجل ( وتعدد الواجب ) من عشر ، أو غرة إن لم يستهل ودية إن استهل ( بتعدده ) أي الجنين ( وورث ) الواجب المذكور ( على الفرائض ) المعلومة الشاملة للفرض ، والتعصيب ( وفي الجراح ) أي تعمد الجاني الجنين ( بضرب بطن ، أو ظهر ، أو رأس ) لأمه فنزل مستهلا ، ثم مات أي شيء محكوم به أي يحكم به الحاكم العارف وبينها بقوله ( بنسبة ) أي مصورة بمثل نسبة ( نقصان الجناية ) وقوله ( إذا برئ ) متعلق بقوله ( من قيمته عبدا ) ، والأولى تأخيره عنه ; لأن الأصل المعمول أن يتأخر [ ص: 270 ] عن عامله أي أن العامل فيه قيمة وجاز أيضا أن يتعلق بنقصان أي نقصانه وقت برئه فيكون واقعا في مركزه وقوله من قيمته متعلق بنقصان على أنه حال أي حال كون النقصان معتبرا من قيمته عبدا وعبدا حال من الضمير البارز في قيمته ومعنى قوله ( فرضا ) تقديرا أي حال كونه مقدرا عبدا ، وإنما وجب التقويم بعد برئه أي صحته خوف أن يترامى إلى النفس ، أو إلى ما تحمله العاقلة وقوله ( من الدية ) متعلق بنسبة ملاحظا فيه المقدر قبله أي مثل نسبة النقصان من الدية فيقوم بعد البرء عبدا سالما بعشرة مثلا ، ثم يقوم معيبا بتسعة مثلا ، فالتفاوت بين القيمتين هو العشر فيجب على الجاني بنسبة ذلك ، وهو عشرها ، ثم برؤه لا يستلزم عوده كما كان ، لكن إن عاد كما كان فإنما على الجاني الأدب في العمد ولا شيء عليه في الخطإ ، فالحكومة إنما هي فيما إذا برئ على شيء ، وهذا إذا لم يكن فيه شيء مقدر وأما ما فيه شيء مقدر شرعا ففيه ما قدره الشارح كما سيأتي في قوله ، وإن بشين ( كجنين البهيمة ) تضرب على بطنها مثلا فتلقي جنينا حيا ، أو ميتا فتنقص بسبب ذلك ففيها حكومة أي أرش ما نقص من قيمتها سليمة وأما الجنين فإن نزل ميتا فلا شيء فيه ، وإن نزل حيا ومات فقيمته مع ما نقص أمه واستثنى من قوله وفي الجراح حكومة استثناء منقطعا قوله ( إلا الجائفة ) عمدا ، أو خطأ ، وهي مختصة بالبطن ، والظهر ( والآمة فثلث ) من الدية المخمسة في كل منهما ومثلهما الدامغة ( و ) إلا ( الموضحة ) خطأ ( فنصف عشر ) وتقدم أن في عمدها القصاص ( و ) إلا ( المنقلة ، والهاشمة ) عطف مرادف ( فعشر ونصفه ) أي نصف العشر خمسة عشر بعيرا ، أو مائة وخمسون دينارا [ ص: 271 ] ولا يزاد على ما ذكر في هذه الجراح شيء ( وإن ) برئت ( بشين ) أي على قبح ( فيهن ) أي الجراح المذكورة ودفع بالمبالغة ما يتوهم من أنها إذا برئت بشين أنه يزاد على ما قدره الشارع ولو أنه بالغ على نفي الشين لدفع توهم النقص لصح أيضا وشرط أخذ القدر المذكور في الجراحات المذكورة ( إن كن برأس ، أو لحي أعلى ) ، وهو ما ينبت عليه الأسنان العليا ، وهذا راجع لما عدا الجائفة فإنها مختصة بالظهر ، أو البطن كما تقدم ، فالضمير في كن راجع للمجموع لا للجميع وقوله ، أو لحي أعلى لا يتأتى في الآمة ; لأنها مختصة بالرأس ، فهو من باب صرف الكلام لما يصلح له جراح الخطإ التي ليس فيها دية مقررة ، أو العمد التي لا قصاص فيها وليس فيها شيء مقدر كعظم الصدر وكسر الفخذ ( حكومة ) كالموضحة في الحر فيؤخذ من قيمته بقدر ما يؤخذ من دية الحر ففي موضحته نصف عشر قيمته وفي جائفته ، أو آمته ثلث قيمته ، وهكذا ( وإلا ) يكن شيء من الجراح المذكورة برأس ، أو لحي أعلى بل في غيرهما كيد ، أو رجل ( فلا تقدير ) أي فليس فيه شيء مقدر من الشارع ، وإنما فيه حكومة باجتهاد الحاكم ، والمراد أنه يقوم سالما ومعيبا ويؤخذ من ذلك النسبة ( والقيمة للعبد كالدية ) للحر فيما فيه شيء مقدر ( بجائفة نفذت ) من جانب للآخر ، أو من الظهر للبطن فيكون فيها دية جائفتين ( كتعدد الموضحة ، والمنقلة ، والآمة إن لم تتصل ) ببعضها بل كان كل واحد منها منفصلا عن الآخر فيتعدد الواجب بتعدد كل ( وإلا ) بأن اتصل ما بين الموضحتين ، أو المنقلتين ، أو الآمتين ( فلا ) يتعدد الواجب ; لأنها واحدة متسعة إن حصلت بضربة واحدة بل ( وإن بفور في ضربات ) الأولى ، وإن بضربات في فور ; إذ الضرب ليس ظرفا للفور بل بالعكس فلو تعددت بضربات في زمن متراخ فلكل حكمه ولو اتصلت ( والدية ) الكاملة كما تكون في النفس تكون في ذهاب كل واحد مما يأتي فتجب ( في ) ذهاب ( العقل ، أو السمع ، أو البصر ، أو النطق ) ، وهو صوت بحروف ( أو الصوت ) الخالي عن الحروف ( أو الذوق ) [ ص: 272 ] وهو معنى في اللسان ومثل ذلك الشم ويقاس على ذلك اللمس ، وهو قوة منبثة على سطح البدن يدرك به الحرارة ، والبرودة ، والنعومة ، والخشونة ونحوها عند المماسة ولا يلزم من كون ( وتعدد الواجب ) ، وهو الثلث المصنف لم يذكره فيما فيه شيء مقدر أن يكون فيه الحكومة وقياسه على الذوق مثلا ظاهر ، والمراد أن من فعل بإنسان فعلا من ضرب ، أو غيره عمدا ، أو خطأ فذهب بسببه شيء مما ذكر فإنه يلزمه الدية كاملة ، والمراد ذهاب المنفعة بتمامها فلو ذهب البعض فعليه من الدية بحساب ما ذهب ولو ، أوضحه فذهب عقله فعليه واجب كل على المشهور وقيل عليه دية كاملة للعقل فقط ( أو ) ذهاب ( قوة الجماع ) بأن أفسد إنعاظه ولا تندرج فيه دية الصلب ، وإن كانت قوة الجماع فيه فلو ضرب صلبه فأبطله وأبطل جماعه فعليه ديتان ( أو ) ذهاب نسله بأن فعل به فعلا أفسد منيه ، فالدية ( أو ) في حصول ( تجذيمه ) ، أو تبريصه ( أو تسويده ) ، وهو نوع من البرص فإن جذمه وسوده فديتان ، وهو ظاهر ( أو قيامه وجلوسه ) معا بدليل العطف بالواو ، وكذا في ذهاب قيامه فقط على المعتمد وأما ذهاب جلوسه فقط ففيه حكومة ففي مفهومه تفصيل .