وفي هذه الغزاة ( ، أهدت له سم رسول الله صلى الله عليه وسلم زينب بنت الحارث اليهودية امرأة سلام بن مشكم شاة مشوية قد سمتها ، وسألت : أي اللحم أحب إليه ؟ فقالوا : الذراع . فأكثرت من السم في الذراع ، فلما انتهش من ذراعها أخبره الذراع بأنه مسموم ، فلفظ الأكلة ثم قال : " اجمعوا لي من ها هنا من اليهود . فجمعوا له ، فقال لهم : إني سائلكم عن شيء ، فهل أنتم صادقي فيه ؟ قالوا : نعم يا أبا القاسم . فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم : من أبوكم ؟ قالوا : أبونا فلان . قال : كذبتم ، أبوكم فلان . قالوا : صدقت وبررت . قال : هل أنتم صادقي عن شيء إن سألتكم عنه ؟ " . قالوا : نعم يا أبا القاسم وإن كذبناك عرفت كذبنا كما عرفته في أبينا . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من أهل النار ؟ فقالوا : نكون فيها يسيرا ثم تخلفوننا فيها . فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم : اخسئوا فيها ، فوالله لا نخلفكم فيها أبدا . ثم قال : هل أنتم صادقي عن شيء إن سألتكم عنه ؟ قالوا : نعم . قال : أجعلتم في هذه الشاة سما ؟ قالوا : نعم . قال : فما حملكم على ذلك ؟ قالوا : [ ص: 298 ] أردنا إن كنت كاذبا نستريح منك ، وإن كنت نبيا لم يضرك ) .
( ) ، واحتجم على الكاهل ، وأمر من أكل منها فاحتجم ، فمات بعضهم ، واختلف في قتل المرأة ، فقال وجيء بالمرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقالت : أردت قتلك . فقال : ما كان الله ليسلطك علي . قالوا : ألا نقتلها ؟ قال : لا . ولم يتعرض لها ولم يعاقبها : أسلمت فتركها ، ذكره الزهري عبد الرزاق عن معمر عنه ، ثم قال معمر : والناس تقول : قتلها النبي صلى الله عليه وسلم .
قال أبو داود : حدثنا ، قال : حدثنا وهب بن بقية خالد ، عن محمد بن عمرو ، عن أبي سلمة ، ( فأرسل إلى اليهودية : ما حملك على الذي صنعت ؟ قال بشر بن البراء بن معرور جابر : فأمر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقتلت ) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أهدت له يهودية بخيبر شاة مصلية . وذكر القصة وقال : فمات
قلت : كلاهما مرسل ، ورواه عن حماد بن سلمة محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن متصلا ، أنه قتلها لما مات أبي هريرة . بشر بن البراء
وقد وفق بين الروايتين بأنه لم يقتلها أولا ، فلما مات بشر قتلها .
وقد اختلف : هل أكل النبي صلى الله عليه وسلم منها أو لم يأكل ؟ وأكثر الروايات أنه أكل منها وبقي بعد ذلك ثلاث سنين حتى قال في وجعه الذي مات فيه : ( خيبر ، فهذا أوان انقطاع الأبهر مني ) . ما زلت أجد من الأكلة التي أكلت من الشاة يوم
[ ص: 299 ] قال : فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم شهيدا . الزهري
قال وغيره : وكان بين موسى بن عقبة قريش حين سمعوا بخروج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى خيبر تراهن عظيم ، وتبايع ، فمنهم من يقول : يظهر محمد وأصحابه ، ومنهم يقول : يظهر الحليفان ويهود خيبر ، وكان الحجاج بن علاط السلمي قد أسلم وشهد فتح خيبر ، وكانت تحته أم شيبة أخت بني عبد الدار بن قصي ، وكان الحجاج مكثرا من المال ، كانت له معادن بأرض بني سليم ، فلما ظهر النبي صلى الله عليه وسلم على خيبر قال الحجاج بن علاط : إن لي ذهبا عند امرأتي ، وإن تعلم هي وأهلها بإسلامي فلا مال لي ، فأذن لي فلأسرع السير وأسبق الخبر ، ولأخبرن أخبارا إذا قدمت أدرأ بها عن مالي ونفسي . فأذن له رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلما قدم مكة قال لامرأته : أخفي علي واجمعي ما كان لي عندك من مال ؛ فإني أريد أن أشتري من غنائم محمد وأصحابه ؛ فإنهم قد استبيحوا وأصيبت أموالهم ، وإن محمدا قد أسر وتفرق عنه أصحابه ، وإن اليهود قد أقسموا لتبعثن به إلى مكة ثم لتقتلنه بقتلاهم بالمدينة ، وفشا ذلك بمكة ، واشتد على المسلمين وبلغ منهم ، وأظهر المشركون الفرح والسرور ، فبلغ العباس عم رسول الله صلى الله عليه وسلم زجلة الناس ، وجلبتهم ، وإظهارهم السرور ، فأراد أن يقوم ويخرج فانخزل ظهره ، فلم يقدر على القيام ، فدعا ابنا له يقال له : قثم ، وكان يشبه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فجعل العباس يرتجز ويرفع صوته لئلا يشمت به أعداء الله :
حبي قثم حبي قثم شبيه ذي الأنف الأشم نبي ربي ذي النعم
برغم أنف من رغم
قال : فجمعت له امرأته متاعه ، ثم انشمر راجعا ، فلما كان بعد ثلاث أتى العباس امرأة الحجاج فقال : ما فعل زوجك ؟ قالت : ذهب ، وقالت : لا يحزنك الله يا أبا الفضل ، لقد شق علينا الذي بلغك . فقال : أجل ، لا يحزنني الله ، ولم يكن بحمد الله إلا ما أحب ، فتح الله على رسوله خيبر وجرت فيها سهام الله ، واصطفى رسول الله صلى الله عليه وسلم صفية لنفسه ، فإن كان لك في زوجك حاجة فالحقي به . قالت : أظنك والله صادقا . قال : فإني والله صادق والأمر على ما أقول لك . قالت : فمن أخبرك بهذا ؟ قال : الذي أخبرك بما أخبرك . ثم ذهب حتى أتى مجالس قريش ، فلما رأوه قالوا : هذا والله التجلد يا أبا الفضل ، ولا يصيبك إلا خير . قال : أجل ، لم يصبني إلا خير ، والحمد لله أخبرني الحجاج بكذا وكذا ، وقد سألني أن أكتم [ ص: 301 ] عليه ثلاثا لحاجة ، فرد الله ما كان للمسلمين من كآبة وجزع على المشركين ، وخرج المسلمون من مواضعهم حتى دخلوا على العباس ، فأخبرهم الخبر ، فأشرقت وجوه المسلمين .