فالأول قولهم : عراه أمر ، إذا غشيه وأصابه ; وعراه البرد . ويقولون : " إذا طلع السماك ، فعند ذلك يعروك ما عناك ، من البرد الذي يغشاك " . وعراه الهم واعتراه . والعرواء : قرة تأخذ المحموم .
ومن الباب العروة عروة الكوز ونحوه ، والجمع عرى . وعريت الشيء : اتخذت له عروة . قال لبيد :
فخمة ذفراء ترتى بالعرى قردمانيا وتركا كالبصل
وقال آخر : " والله لو عريت في علباوي ما خضعت لك " ، أي لو جعلت فيهما عروتين . وإنما سميت عروة لأنها تمسك وتلزمها الإصبع .
ومن الباب العروة ، وهو من النبات شجر تبقى له خضرة في الشتاء ، تتعلق به الإبل حتى يدرك الربيع ، فهي العروة والعلقة ، وقال مهلهل :
قتل الملوك وسار تحت لوائه شجر العرى وعراعر الأقوام
[ ص: 296 ] وقال بعضهم : العروة : الشجر الملتف . وقال الفراء : العروة من الشجر : ما لا يسقط ورقه . وكل هذا راجع إلى قياس الباب ، لأن الماشية تتعلق به فيكون كالعروة وسائر ما ذكرناه .
وربما سموا العلق النفيس عروة ، كما يسمى علقا ، والقياس فيهما واحد . ويقال : إن عروة الإسلام : بقيته ، كقولهم : بأرض بني فلان عروة ، أي بقية من كلأ . وهذا عندي كلام فيه جفاء ; لأن الإسلام - والحمد لله - باق أبدا ، وإنما عرى الإسلام شرائعه التي يتمسك بها ، كل شريعة عروة . قال الله - تعالى - عند ذكر الإيمان : فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها .
فأما العري فهي الريح الباردة ، وهي عرية أيضا . وسميت لأنها تعرو وتعتري ، أي تغشى . قال : ذو الرمة
وهل أحطبن القوم وهي عرية أصول ألاء في ثرى عمد جعد
ويقولون : " أهلك فقد أعريت " ، أي غابت الشمس وهبت عريا .
وأما الأصل الآخر فخلو الشيء من الشيء . من ذلك العريان ، يقال منه : قد عري من الشيء يعرى ، وجمع عار عراة . قال أبو دواد :
فبتنا عراة لدى مهرنا تنزع من شفتيه الصفارا
أي متجردين ، كما [ يقال ] تجرد للأمر ، إذا جد فيه . ويقولون : إنه من العرواء ، أي كأنهم ينتفضون من البرد . ويقال من الأول : ما أحسن عرية هذه [ ص: 297 ] الجارية ، أي معراها وما تجرد منها . وعريتها : جردتها . ويقال : المعاري : اليدان والرجلان والوجه ، لأن ذلك باد أبدا . قال أبو كبير :
متكورين على المعاري بينهم ضرب كتعطاط المزاد الأثجل
ويقال : اعروريت الفرس ، إذا ركبته عريا [ ليس ] بين ظهره وبينك شيء . وأنشد :
واعرورت العلط العرضي تركضه أم الفوارس بالدئداد والربعه
ويقال : فرس عري ورجل عريان .
ومن الباب : العراء : كل شيء أعريته من سترته . ويقال : استر عن العراء . أما العرى مقصور فما ستر شيئا من شيء . تقول : تركناه في عرى الحائط . وهذه الكلمة تصلح أن تكون من الباب الأول .
ومن الباب الثاني : أعرى القوم صاحبهم ، إذا تركوه وذهبوا عنه .
[ ص: 298 ] ومن الباب العراء : الفضاء ، ويقال إنه مذكر . تقول : انتهينا إلى عراء من الأرض واسع . وأعراء الأرض : ما ظهر من متونها وظهورها . ويقولون لامرأة الرجل : النجي العريان ، أي أنه يناجيها في الفراش عريانة . قال :
ليس النجي الذي يأتيك مؤتزرا مثل النجي الذي يأتيك عريانا
ويقال للفرس الطويل القوائم عريان ، وهو من الباب ، يراد أن قوائمه متجردة طويلة .
وأما العرية من النخل وما جاء في الحديث أنه - عليه الصلاة والسلام - : فإن قياسه قياس الذي ذكرناه في هذا الأصل الثاني ، وهو خلو الشيء عن الشيء . ثم اختلف الفقهاء في صورتها ، فقال قوم هي النخلة يعريها صاحبها رجلا محتاجا ، وذلك أن يجعل له ثمرة عامها ، فرخص لرب النخل أن يبتاع ثمر تلك النخلة من المعرى بتمر ، لموضع حاجته . وقال بعضهم : بل هو الرجل يكون له نخلة وسط نخل كثير لرجل آخر ، فيدخل رب النخلة إلى نخلته فربما كان صاحب النخل الكثير يؤديه دخوله إلى نخله ، فرخص لصاحب النخل الكثير أن يشتري ثمر تلك النخلة من صاحبها قبل أن يجده بتمر لئلا يتأذى به . نهى عن المزابنة ورخص في العرايا
قال أبو عبيد : والتفسير الأول أجود ، لأن هذا ليس فيه إعراء ، إنما هي نخلة [ ص: 299 ] يملكها ربها فكيف تسمى عرية . ومما يبين ذلك قول شاعر الأنصار :
ليست بسنهاء ولا رجبية ولكن عرايا في السنين الجوائح
ومنه حديث آخر ، أنه كان إذا بعث الخراص قال لهم : خففوا في الخرص فإن في المال العرية والوصية .
قال : استعرى الناس في كل وجه ، إذا أكلوا الرطب . قال : وهو مأخوذ من العرايا . الأصمعي
فأما الخليل فروي عنه كلام بعضه من الأول وبعضه من الثاني ، إلا أن جملة قوله دليل على ما ذكرناه ، من أنه قياس سائر الباب ، وأنه خلو شيء من شيء .
قال الخليل : النخلة العرية : التي إذا عرضت على البيع ثمرها عريت منها نخلة ، أي عزلت عن المساومة . والجمع العرايا ، والفعل منه إعراء ، وهو أن يجعل ثمرها لمحتاج عامها ذلك .