فالعرض : خلاف الطول . تقول منه : عرض الشيء يعرض عرضا ، فهو عريض .
[ ص: 270 ] وقال أبو زيد : عرض عراضة . وأنشد :
إذا ابتدر القوم المكارم عزهم عراضة أخلاق ابن ليلى وطولها
وقوس عراضة : عريضة . وأعرضت المرأة أولادها : ولدتهم عراضا ، كما يقال أطالت في الطول .ومن الباب : عرض المتاع يعرضه عرضا . وهو كأنه في ذاك قد أراه عرضه . وعرض الشيء تعريضا : جعله عريضا .
ومن ذلك عرض الجند : أن تمرهم عليك ، وذلك كأنك نظرت إلى العارض من حالهم . ويقال للمعروض من ذلك : عرض متحركة ، كما يقال قبض قبضا ، وقد ألقاه في القبض . وعرضوهم على السيف عرضا ، كأن السيف أخذ عرض القوم فلم يفته أحد . وعرضت العود على الإناء أعرضه بضم الراء ، إذا وضعته عليه عرضا . وفي الحديث : . ويقال في غير ذلك : عرض يعرض ، بكسر الراء . وما عرضت لفلان ولا تعرض له ، وذلك أن تجعل عرضك بإزاء عرضه . ويقال : عرض الرمح يعرضه عرضا . قال هلا خمرته ولو بعود تعرضه عليه النابغة :
لهن عليهم عادة قد عرفنها إذا عرضوا الخطي فوق الكواثب
وعرض الفرس في عدوه عرضا ، كأنه يري الناظر عرضه . قال :
يعرض حتى ينصب الخيشوما
[ ص: 271 ] قالوا : إذا عدا عارضا صدره ، أو مائلا برأسه . ويقال : عرض فلان من سلعته ، إذا عارض بها ، أعطى واحدة وأخذ أخرى . ومنه :
هل لك والعارض منك عائض
أي يعارضك فيأخذ منك شيئا ، ويعطيك شيئا . ويقال : عرضت أعوادا بعضها على بعض ، واعترضت هي . قال أبو دواد :
ترى الريش في جوفه طاميا كعرضك فوق نصال نصالا
وذكر الخليل : أعرضت الشيء : جعلته عريضا . وتقول العرب : " أعرضت القرفة " . وكان بعضهم يقول : " أعرضت الفرقة " ولعله أجود ، وذلك للرجل يقال له : من تتهم ؟ فيقول : أتهم بني فلان ، للقبيلة بأسرها . فيقال له : أعرضت القرفة ، أي جئت بتهمة عريضة تعترض القبيل بأسره .
ومن الباب : أعرضت عن فلان ، وأعرضت عن هذا الأمر ، وأعرض [ ص: 272 ] بوجهه . وهذا هو المعنى الذي ذكرناه ; لأنه إذا كان كذا ولاه عرضه . والعارض إنما هو مشتق من العرض الذي هو خلاف الطول . ويقال : أعرض لك الشيء من بعيد ، فهو معرض ، وذلك إذا ظهر لك وبدا . والمعنى أنك رأيت عرضه . قال عمرو بن كلثوم :
وأعرضت اليمامة واشمخرت كأسياف بأيدي مصلتينا
[ و ] تقول : عارضت فلانا في السير ، إذا سرت حياله . وعارضته مثل ما صنع ، إذا أتيت إليه مثل ما أتى إليك . ومنه اشتقت المعارضة . وهذا هو القياس ، كأن عرض الشيء الذي يفعله مثل عرض الشيء الذي أتاه . وقال طفيل :
وعارضتها رهوا على متتابع نبيل القصيرى خارجي محنب
وأراني المليك رشدي وقد كن ت أخا عنجهية واعتراض
وتعرض لي فلان بما أكره . ورجل عريض ، أي متعرض .
[ ص: 273 ] ومن الباب : استعرض الخوارج الناس ، إذا لم يبالوا من قتلوا . وفي الحديث : " كل الجبن عرضا " ، أي اعترضه كيف كان ولا تسأل عنه . وهذا كما قلناه في إعراض القرفة . والمعرض : الذي يعترض الناس يستدين ممن أمكنه . ومنه حديث عمر : " ألا إن أسيفع جهينة ادان معرضا " .
ومن الباب العرض : عرض الإنسان . قال قوم : هو حسبه ، وقال آخرون : نفسه . وأي ذلك كان فهو من العرض الذي ذكرناه .
وأما قولهم إن العرض : ريح الإنسان طيبة كانت أم غير طيبة ، فهذا طريق المجاوزة ، لأنها لما كانت من عرضه سميت عرضا . وقوله - صلى الله عليه وآله وسلم - : إنما هو عرق يجري من أعراضهم أي أبدانهم ، يدل على صحة هذا . واستدلوا على أن العرض : النفس بقول حسان ، يمدح رسول الله - عليه الصلاة والسلام - :
هجوت محمدا فأجبت عنه وعند الله في ذاك الجزاء
فإن أبي ووالدتي وعرضي لعرض محمد منكم وقاء
وتقول : هو نقي العرض ، أي بعيد من أن يشتم أو يعاب .
[ ص: 274 ] ومن الباب : معاريض الكلام ، وذلك أنه يخرج في معرض غير لفظه الظاهر ، فيجعل هذا المعرض له كمعرض الجارية ، وهو لباسها الذي تعرض فيه ، وذلك مشتق من العرض . وقد قلنا في قياس العرض ما كفى .
وزعم ناس أن العرب تقول : عرفت ذاك في عروض كلامه ، أي في معاريض كلامه .
ومن الباب العرض : الجيش العظيم ، وهذا على معنى التشبيه بالعرض من السحاب ، وهو ما سد بعرضه الأفق . قال :
كنا إذا قدنا لقوم عرضا
أي جيشا كأنه جبل أو سحاب يسد الأفق ، وقال دريد :
نعية منسر أو عرض جيش تضيق به خروق الأرض مجر
ألا ترى بكل عرض معرض
[ ص: 275 ] وأنشد : الأصمعيكما تدهدى من العرض الجلاميد
والعريض : الجدي إذا نزا [ أو ] يكاد ينزو ، وذلك إذا بلغ . وهذا قياسه أيضا قياس الباب ، وهو من العرض ، وجمعه عرضان .
فأما عروض الشعر فقال قوم : مشتق من العروض ، وهي الناحية ، كأنه ناحية من العلم . وأنشد في العروض :
لكل أناس من معد عمارة عروض إليها يلجئون وجانب
وقال آخرون : العريض : الطريق الصعب ، ذلك يكون في عرض جبل ، فقد صار بابه قياس سائر الباب . قالوا : وهذا من قولهم : ناقة عرضية ، إذا كانت صعبة . ومعنى هذا أنها لا تستقيم في السير ، بل تعترض . قال الشاعر :
ومنحتها قولي على عرضية علط أداري ضغنها بتودد
فتوسطا عرض السري وصدعا مسجورة متجاورا قلامها
[ ص: 276 ] وعرض المال من ذلك ، وكله الوسط . وكان اللحياني يقول : فلان شديد العارضة ، أي الناحية . والعرض من أحداث الدهر ، كالمرض ونحوه ، سمي عرضا لأنه يعترض ، أي يأخذه فيما عرض من جسده . والعرض : طمع الدنيا ، قليلا [ كان ] أو كثيرا . وسمي به لأنه يعرض ، أي يريك عرضه . وقال :
من كان يرجو بقاء لا نفاد له فلا يكن عرض الدنيا له شجنا
ويقال : " الدنيا عرض حاضر ، يأخذ منه البر والفاجر " . فأما قوله : - صلى الله عليه وآله وسلم - : . فإنما سمعناه بسكون الراء ، وهو كل ما كان من المال غير نقد ; وجمعه عروض . فأما العرض بفتح الراء ، فما يصيبه الإنسان من حظه من الدنيا . قال الله - تعالى - : ليس الغنى عن كثرة العرض وإن يأتهم عرض مثله يأخذوه .
وقال الخليل : فلان عرضة للناس : لا يزالون يقعون فيه . ومعنى ذلك أنهم يعترضون عرضه . والمعراض : سهم له أربع قذذ دقاق ، وإذا رمي به اعترض . قال الخليل : هو السهم الذي يرمى به لا ريش له يمضي عرضا .
فأما قولهم : شديد العارضة ، فقد ذكرنا ما قاله اللحياني فيه . وقال الخليل : هو شديد العارضة ، أي ذو جلد وصرامة . والمعنيان متقاربان ، أي شديد [ ص: 277 ] ما يعرض للناس منه . وعارضة الوجه : ما يبدو منه عند الضحك . وزعم أن أسنان المرأة تسمى العوارض والقياس في ذلك كله واحد . قال عنترة :
وكأن فارة تاجر بقسيمة سبقت عوارضها إليك من الفم
ورجل خفيف العارضين ، يعني عارضي اللحية . وقال أبو ليلى : العوارض الضواحك ، لمكانها في عرض الوجه . قال : عارضا الرجل : شعر خديه ، لا يقال للأمرد : امسح عارضيك . فأما قولهم : يمشي العرضنى ، فالنون فيه زائدة ، وهو الذي يشتق في عدوه معترضا . قال ابن الأعرابي العجاج :
تعدو العرضنى خيلهم حراجلا
وامرأة عرضة : ضخمة قد ذهبت من سمنها عرضا .
قال الخليل : العوارض : سقائف المحمل العراض التي أطرافها في العارضين ، وذلك أجمع هو سقف المحمل . وكذلك عوارض سقف البيت إذا وضعت عرضا . وقال أيضا : عارضة الباب هي الخشبة التي هي مساك العضادتين من فوق . والعرضي : ضرب من الثياب ، ولعل له عرضا . قال أبو نخيلة :
[ ص: 278 ]
هزت قواما يجهد العرضيا هز الجنوب النخلة الصفيا
وكل شيء أمكنك من عرضه فهو معرض لك ، بكسر الراء . ويقال : أعرض لك الظبي فارمه ، إذا أمكنك من عرضه ; مثل أفقر وأعور .
ومن أمثالهم : " فلان عريض البطان " ، إذا أثرى وكثر ماله . ويقال : ضرب الفحل الناقة عراضا ، إذا ضربها من غير أن يقاد إليها . وهذا من قولنا : اعترض الشيء : أتاه من عرض ، كأنه اعترضها من سائر النوق : قال الراعي :
نجائب لا يلقحن إلا يعارة عراضا ولا يبتعن إلا غواليا
وقال اللحياني : لقحت الناقة عراضا ، أي ذهبت إلى فحل لم تقد إليه . والعارض : السحاب ، وقد مضى ذكر قياسه . قال الله - تعالى : قالوا هذا عارض ممطرنا . والعارض من كل شيء : ما يستقبلك ، كالعارض من السحاب ونحوه . وقال أبو عبيدة : العارض من السحاب : الذي يعرض في قطر من أقطار السماء من العشي ثم يصبح قد حبا واستوى . ويقال له : العان بالتشديد .
ومن المشتق من هذا قولهم : مر بي عارض من جراد ، إذا ملأ الأفق . ولفلان على أعدائه عرضية ، أي صعوبة . وهذا من قولنا ناقة عرضية ، وقد ذكر قياسه . ويقال : إن التعريض ما كان على ظهر الإبل من ميرة أو زاد . وهذا مشتق من أنه يعرض على من لعله يحتاج إليه . ويقال : عرضوا من ميرتكم ، أي أطعمونا منها . قال :
[ ص: 279 ]
حمراء من معرضات الغربان
يصف ناقة له عليها الميرة فهي تتقدم الإبل وينفتح ما عليها لسرعتها فتسقط الغربان على أحمالها ، فكأنها عرضت للغربان ميرتهم . ويقال للإبل التي تبعد آثارها في الأرض : العراضات ، أي إنها تأخذ في الأرض عرضا فتبين آثارها . ويقولون : " إذا طلعت الشعرى سفرا ، ولم تر فيها مطرا ، فأرسل العراضات أثرا ، يبغينك في الأرض معمرا " .
ويقال : ناقة عرضة للسفر ، أي قوية عليه . ومعنى هذا أنها لقوتها تعرض أبدا للسفر . فأما العارضة من النوق أو الشاء ، فإنها التي تذبح لشيء يعتريها . وقال :
من شواء ليس من عارضة بيدي كل هضوم ذي نفل
وهذا عندنا مما جعل فيه الفاعل مكان المفعول ; لأن العارضة هي التي عرض لها بمرض ، كما يقولون : سر كاتم . ومعنى عرض لها أن المرض أعرضها ، وتوسعوا في ذلك حتى بنوا الفعل منسوبا إليها ، فقالوا : عرضت . قال الشاعر :
[ ص: 280 ]
إذا عرضت منها كهاة سمينة فلا تهد منها واتشق وتجبجب
ألم تر أن العرض أصبح بطنه نخيلا وزرعا نابتا وفصافصا
فهذا أوان العرض حي ذبابه زنابيره والأزرق المتلمس
ومن الباب : نظرت إليه عرض عين ، أي اعترضته على عيني . ورأيت فلانا عرض عين ، أي لمحة . ومعنى هذا أنه عرض لعيني ، فرأيته . ويقال : علقت فلانا عرضا ، أي اعتراضا من غير استعداد مني لذلك ولا إرادة . وهذا على ما ذكرناه من عراض البعير والناقة . وأنشد :
علقتها عرضا وأقتل قومها زعما لعمر أبيك ليس بمزعم
ويقال : أصابه سهم عرض ، إذا جاءه من حيث لا يدري من رماه . وهذا من الباب أيضا كأنه جاءه عرضا من حيث لم يقصد به ، كما ذكرناه في المعراض من السهام .
والمعارض : جمع معرض وهي بلاد تعرض فيها الماشية للرعي . قال :
[ ص: 281 ]
أقول لصاحبي وقد هبطنا وخلفنا المعارض والهضابا