فالأول قولهم : تعاور القوم فلانا واعتوروه ضربا ، إذا تعاونوا ، فكلما كف واحد ضرب آخر . قال الخليل : والتعاور عام في كل شيء . ويقال تعاورت الرياح رسما حتى عفته ، أي تواظبت عليه . قال الأعشى :
دمنة قفرة تعاورها الصي ف بريحين من صبا وشمال
[ ص: 185 ] وحكى أو غيره : تعورنا العواري . الأصمعي
والأصل الآخر العور في العين . قال الخليل : يقال انظروا إلى عينه العوراء . ولا يقال لإحدى العينين عمياء . لأن العور لا يكون إلا في إحدى العينين . وتقول : عرت عينه ، وعورت ، وأعرت ، كل ذلك يقال . ويقولون في معنى التشبيه وهي كلمة عوراء . قال الخليل : الكلمة التي تهوي في غير عقل ولا رشد . قال :
ولا تنطق العوراء في القوم سادرا فإن لها فاعلم من القوم واعيا
وقال بعضهم : العوراء : الكلمة القبيحة التي يمتعض منها الرجل ويغضب . وأنشد :
وعوراء قد قيلت فلم ألتفت لها وما الكلم العوراء لي بقبول
ومن الباب العواء ، وهو خرق أو شق يكون في الثوب .
ومن الباب العورة ، واشتقاقها من الذي قدمنا ذكره ، وأنه مما حمل على الأصل ، كأن العورة شيء ينبغي مراقبته لخلوه . وعلى ذلك فسر قوله - تعالى : يقولون إن بيوتنا عورة وما هي بعورة ، قالوا : كأنها ليست بحريزة . وجمع العورة عورات . قال الشاعر :
[ ص: 186 ]
في جميع حافظي عوراتهم لا يهمون بإدعاق الشلل
الإدعاق : الإسراع . والشلل : الطرد . ويقال في المكان يكون عورة : قد أعور يعور إعوارا . قال الخليل : ولو قلت أعار يعير إعارة جاز في القياس ، أي صار ذا عورة . ويقال أعور البيت : صارت فيه عورة . قال الخليل : يقال : عور يعور عورا . فعورة ، في قوله - تعالى : إن بيوتنا عورة ، قال الخليل : نعت يخرج على العدة والتذكير والتأنيث ، وعورة مجزومة على حال واحد في الجمع والواحد ، والتأنيث والتذكير ، كقولك رجل صوم وامرأة صوم ، ورجال صوم ونساء صوم . فأما قولهم إن العور ترك الحق ، وإنشادهم قول العجاج :
قد جبر الدين الإله فجبر وعور الرحمن من ولى العور
فالقياس غير مقتض للفظ الذي ذكر من ترك الحق ، وإنما أراد العجاج العور الذي هو عور العين ، يضربه مثلا لمن عمي عن الحق فلم يهتد له .
وأما قول العرب : إن لفلان من المال عائرة عين ، يريدون الكثرة ، فمعناه المعنى الذي ذكرناه ، كأن العين تتحير عند النظر إلى المال الكثير فكأنها عورة . ويقولون عورت عين الركية ، إذا كبستها حتى نضب الماء . والمكان المعور : الذي يخاف فيه القطع .