عصم : العصمة في كلام العرب : المنع ، وعصمة الله عبده : أن يعصمه مما يوبقه . عصمه يعصمه عصما : منعه ووقاه . وفي التنزيل : لا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم ، أي لا معصوم إلا المرحوم ، وقيل : هو على النسب ، أي ذا عصمة وذو العصمة يكون مفعولا كما يكون فاعلا ، فمن هنا قيل : إن معناه لا معصوم ، وإذا كان ذلك فليس المستثنى هنا من غير نوع الأول ، بل هو من نوعه ، وقيل : إلا من رحم مستثنى ليس من نوع الأول ، وهو مذهب ، والاسم العصمة ، قال سيبويه الفراء : " من " في موضع نصب ; لأن المعصوم خلاف العاصم ، والمرحوم معصوم ، فكان نصبه بمنزلة قوله تعالى : ما لهم به من علم إلا اتباع الظن قال : ولو جعلت عاصما في تأويل المعصوم - أي : لا معصوم اليوم من أمر الله - جاز رفع " من " ، قال : ولا تنكرن أن يخرج المفعول على الفاعل ، ألا ترى قوله عز وجل : خلق من ماء دافق [ ص: 176 ] معناه مدفوق ، وقال الأخفش : لا عاصم اليوم يجوز أن يكون : لا ذا عصمة ، أي لا معصوم ، ويكون إلا من رحم رفعا بدلا من : لا عاصم قال أبو العباس : وهذا خلف من الكلام لا يكون الفاعل في تأويل المفعول إلا شاذا في كلامهم ، والمرحوم معصوم ، والأول عاصم ، ومن نصب بالاستثناء المنقطع قال : وهذا الذي قاله الأخفش يجوز في الشذوذ ، وقال في قوله تعالى : الزجاج سآوي إلى جبل يعصمني من الماء أي : يمنعني من الماء والمعنى : من تغريق الماء ، قال : لا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم هذا استثناء ليس من الأول ، وموضع " من " نصب ، المعنى : لكن من رحم الله فإنه معصوم ، قال : وقالوا يجوز أن يكون " عاصم " في معنى معصوم ، ويكون معنى لا عاصم : لا ذا عصمة ، ويكون " من " في موضع رفع ، ويكون المعنى : لا معصوم إلا المرحوم .
قال الأزهري : والحذاق من النحويين اتفقوا على أن قوله : لا عاصم بمعنى لا مانع ، وأنه فاعل لا مفعول ، وأن " من " نصب على الانقطاع . واعتصم فلان بالله ، إذا امتنع به ، والعصمة : الحفظ . يقال : عصمته فانعصم . واعتصمت بالله ، إذا امتنعت بلطفه من المعصية ، وعصمه الطعام : منعه من الجوع ، وهذا طعام يعصم ، أي يمنع من الجوع . واعتصم به واستعصم : امتنع وأبى ، قال الله عز وجل حكاية عن امرأة العزيز حين راودته عن نفسه : فاستعصم ، أي تأبى عليها ولم يجبها إلى ما طلبت ، . قال الأزهري : العرب تقول أعصمت بمعنى اعتصمت ، ومنه قول أوس بن حجر :
فأشرط فيها نفسه وهو معصم وألقى بأسباب له وتوكلا
، أي : وهو معتصم بالحبل الذي دلاه . وفي الحديث : من كانت عصمته شهادة أن لا إله إلا الله ، أي ما يعصمه من المهالك يوم القيامة ، العصمة : المنعة . والعاصم : المانع الحامي . والاعتصام : الامتساك بالشيء افتعال منه ، ومنه شعر أبي طالب :ثمال اليتامى عصمة للأرامل
أي : يمنعهم من الضياع والحاجة . وفي الحديث : . وفي حديث الإفك : فقد عصموا مني دماءهم وأموالهم وفي حديث فعصمها الله بالورع عمر : وعصمة أبنائنا إذا شتونا ، أي يمتنعون به من شدة السنة والجدب . وعصم إليه : اعتصم به . وأعصمه : هيأ له شيئا يعتصم به . وأعصم بالفرس : امتسك بعرفه ، وكذلك البعير إذا امتسك بحبل من حباله ، قال طفيل :إذا ما غزا لم يسقط الروع رمحه ولم يشهد الهيجا بألوث معصم
والتغلبي على الجواد غنيمة كفل الفروسة دائم الإعصام
حتى إذا يئس الرماة وأرسلوا غضفا دواجن قافلا أعصامها
قال : قال ابن بري الجوهري في جمع العصمة القلادة : أعصام ، وقوله ذلك لا يصح ; لأنه لا يجمع فعلة على أفعال ، والصواب قول من قال : إن واحدته عصمة ، ثم جمعت على عصم ، ثم جمع عصم على أعصام ، فتكون بمنزلة شيعة وشيع وأشياع ، قال : وقد قيل : إن واحد الأعصام عصم مثل عدل وأعدال ، قال : وهذا الأشبه فيه . وقيل : بل هي جمع عصم ، وعصم جمع عصام ، فيكون جمع الجمع ، والصحيح هو الأول . وأعصم الرجل بصاحبه إعصاما إذا لزمه ، وكذلك أخلد به إخلادا . وفي التنزيل : ولا تمسكوا بعصم الكوافر ، وجاء ذلك في حديث الحديبية جمع عصمة ، والكوافر : النساء الكفرة ، قال : أي : بعقد نكاحهن . يقال : بيده عصمة النكاح ، أي عقدة النكاح ، قال ابن عرفة عروة بن الورد :
إذا لملكت عصمة أم وهب على ما كان من حسك الصدور
والأعصم : الوعل ، وعصمته بياض شبه زمعة الشاة في رجل الوعل في موضع الزمعة من الشاء ، قال : ويقال للغراب : أعصم ، إذا كان ذلك منه أبيض . قال الأزهري : والذي قاله الليث في نعت الوعل إنه شبه الزمعة تكون في الشاء محال ، وإنما عصمة الأوعال بياض في أذرعها لا في أوظفتها ، والزمعة إنما تكون في الأوظفة ، قال : والذي يغيره الليث من تفسير الحروف أكثر مما يغيره من صورها ، فكن على حذر من تفسيره كما تكون على حذر من تصحيفه . قال : والأعصم من الظباء والوعول الذي في ذراعه بياض ، وفي " التهذيب " : في ذراعيه بياض ، وقال ابن سيده أبو عبيدة : الذي بإحدى يديه بياض ، والوعول عصم . وفي حديث أبي سفيان : فتناولت القوس والنبل لأرمي ظبية عصماء نرد بها قرمنا . وقد عصم عصما ، والاسم العصمة . والعصماء من المعز : البيضاء اليدين أو اليد وسائرها أسود أو أحمر . وغراب أعصم : في أحد جناحيه ريشة بيضاء ، وقيل : هو الذي إحدى رجليه بيضاء ، وقيل : هو الأبيض . والغراب الأعصم : الذي في جناحه ريشة بيضاء ; لأن جناح الطائر بمنزلة اليد له ، ويقال [ ص: 177 ] هذا كقولهم : الأبلق العقوق وبيض الأنوق - لكل شيء يعز وجوده . وفي الحديث : يقول : إنها عزيزة لا توجد كما لا يوجد الغراب الأعصم . وفي الحديث أنه ذكر النساء المختالات المتبرجات فقال : المرأة الصالحة كالغراب الأعصم ، قيل : يا رسول الله ، وما الغراب الأعصم ؟ قال : الذي إحدى رجليه بيضاء ، قال لا يدخل الجنة منهن إلا مثل الغراب الأعصم ابن الأثير : هو الأبيض الجناحين ، وقيل : الأبيض الرجلين ، أراد قلة من يدخل الجنة من النساء . وقال الأزهري : قال أبو عبيد : الغراب الأعصم هو الأبيض اليدين ، ومنه قيل : للوعول عصم ، والأنثى منهن عصماء والذكر أعصم لبياض في أيديها ، قال : وهذا الوصف في الغربان عزيز لا يكاد يوجد ، وإنما أرجلها حمر ، قال : وأما هذا الأبيض البطن والظهر فهو الأبقع ، وذلك كثير . وفي الحديث : عائشة في النساء كالغراب الأعصم في الغربان ، قال ابن الأثير : وأصل العصمة البياض يكون في يدي الفرس والظبي والوعل .
قال الأزهري : وقد ذكر ابن قتيبة حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - : فيما رد على لا يدخل الجنة منهن إلا مثل الغراب الأعصم أبي عبيد وقال : اضطرب قول أبي عبيد ; لأنه زعم أن الأعصم هو الأبيض اليدين ، ثم قال بعد : وهذا الوصف في الغربان عزيز لا يكاد يوجد ، وإنما أرجلها حمر ، فذكر مرة اليدين ومرة الأرجل ، قال الأزهري : وقد جاء هذا الحرف مفسرا في خبر آخر رواه عن خزيمة ، قال : فعدل وعدلنا معه حتى دخلنا شعبا ، فإذا نحن بغربان وفيها غراب أعصم أحمر المنقار والرجلين ، فقال عمرو : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : لا يدخل الجنة من النساء إلا قدر هذا الغراب في هؤلاء الغربان عمرو بن العاص . قال بينا نحن مع الأزهري : فقد بان في هذا الحديث أن معنى قول النبي - صلى الله عليه وسلم - : أنه أراد أحمر الرجلين ; لقلته في الغربان ; لأن أكثر الغربان السود والبقع . وروي عن إلا مثل الغراب الأعصم أنه قال : الغراب الأعصم : الأبيض الجناحين ، والصواب ما جاء في الحديث المفسر ، قال : والعرب تجعل البياض حمرة فيقولون للمرأة البيضاء اللون : حمراء ، ولذلك قيل : للأعاجم : حمر ; لغلبة البياض على ألوانهم ، وأما العصمة فهي البياض بذراع الغزال والوعل . يقال : أعصم بين العصم ، والاسم العصمة . قال ابن شميل : العصمة من ذوات الظلف في اليدين ، ومن الغراب في الساقين ، وقد تكون العصمة في الخيل ، قال ابن الأعرابي غيلان الربعي :
قد لحقت عصمتها بالأطباء من شدة الركض وخلج الأنساء
وأضحى عن مواسمهم قتيلا بلبته سرائح كالعصيم
رعت بين ذي سقف إلى حش حقفة من الرمل حتى طار عنها عصيمها
كساهن الهواجر كل يوم رجيعا بالمغابن كالعصيم
بخطيرة توفي الجديل سريحة مثل المشوف هنأته بعصيم
، وقال : العصيم أيضا ورق الشجر ، قال ابن بري : الفرزدقتعلقت من شهباء شهب عصيمها بعوج الشبا مستفلكات المجامع
يصفر لليبس اصفرار الورس من عرق النضح عصيم الدرس
والعصم : أثر كل شيء من ورس أو زعفران أو نحوه . وعصم يعصم عصما : اكتسب . وعصام المحمل : شكاله . قال الليث : عصاما المحمل شكاله وقيده الذي يشد في طرف العارضين في أعلاهما . وقال الأزهري : عصاما المحمل كعصامي المزادتين . والعصام : رباط القربة وسيرها الذي تحمل به ، قال الشاعر قيل : هو لامرئ القيس ، وقيل : لتأبط شرا وهو الصحيح :
وقربة أقوام جعلت عصامها على كاهل مني ذلول مرحل
وحكى أبو زيد في جمع العصام عصام ، فهو على هذا من باب دلاص وهجان . قال الأزهري : والمحفوظ من العرب في عصم المزاد أنها الحبال التي تنشب في خرب الروايا وتشد بها إذا عكمت على ظهر البعير ثم يروى عليها بالرواء الواحد ، عصام ، وأما الوكاء فهو الشريط الدقيق أو السير [ ص: 178 ] الوثيق يوكى به فم القربة والمزادة ، وهذا كله صحيح لا ارتياب فيه .
وقال الليث : كل حبل يعصم به شيء فهو عصامه . وفي الحديث : فإذا جد بني عامر جمل آدم مقيد بعصم العصم : جمع عصام وهو رباط كل شيء ، أراد أن خصب بلاده قد حبسه بفنائه فهو لا يبعد في طلب المرعى ، فصار بمنزلة المقيد الذي لا يبرح مكانه ، ومثله قول قيلة في الدهناء : إنها مقيد الجمل ، أي يكون فيها كالمقيد لا ينزع إلى غيرها من البلاد . وعصام الوعاء : عروته التي يعلق بها . وعصام المزادة : طريقة طرفها . قال الليث : العصم طرائق طرف المزادة عند الكلية ، والواحد عصام ، قال الأزهري : وهذا من أغاليط الليث وغدده . والعضام - بالضاد المعجمة - عسيب البعير وهو ذنبه العظم لا الهلب ، وسيذكر ، وهو لغتان بالصاد والضاد . وقال : عصام الذنب مستدق طرفه . والمعصم : موضع السوار من اليد ، قال : ابن سيده
فاليوم عندك دلها وحديثها وغدا لغيرك كفها والمعصم
فأرتك كفا في الخضا ب ومعصما ملء الجباره
أرجد رأس شيخة عيصوم
، ويروى عيضوم - بالضاد المعجمة .قال الأزهري : العيصوم من النساء الكثيرة الأكل ، الطويلة النوم المدمدمة إذا انتبهت . ورجل عيصوم وعيصام إذا كان أكولا . والعصوم بالصاد : الناقة الكثيرة الأكل . وروي عن المؤرج أنه قال : العصام : الكحل في بعض اللغات . وقد اعتصمت الجارية إذا اكتحلت ، قال الأزهري : ولا أعرف راويه ، فإن صحت الرواية عنه فهو ثقة مأمون . وقولهم : ما وراءك يا عصام ، هو اسم حاجب النعمان بن المنذر ، وهو عصام بن شهبر الجرمي ، وفي المثل : كن عصاميا ولا تكن عظاميا ، يريدون به قوله :
نفس عصام سودت عصاما
وصيرته ملكا هماما
وعلمته الكر والإقداما
، وفي ترجمة عصب : روى بعض المحدثين أن جبريل جاء يوم بدر على فرس أنثى وقد عصم ثنيته الغبار ، أي لزق به ، قال الأزهري : فإن لم يكن غلطا من المحدث فهي لغة في عصب ، والباء والميم يتعاقبان في حروف كثيرة لقرب مخرجيهما ، يقال : ضربة لازب ولازم ، وسبد رأسه وسمده . والعواصم : بلاد وقصبتها أنطاكية . وقد سموا عصمة وعصيمة وعاصما وعصيما ومعصوما وعصاما .وعصمة : اسم امرأة ، أنشد ثعلب :
ألم تعلمي يا عصم كيف حفيظتي إذا الشر خاضت جانبيه المجادح