جنن : جن الشيء يجنه جنا : ستره . وكل شيء ستر عنك فقد جن عنك . وجنه الليل يجنه جنا وجنونا وجن عليه يجن - بالضم - جنونا ، وأجنه : ستره ; قال : شاهد جنه قول ابن بري الهذلي :
وماء وردت على جفنه وقد جنه السدف الأدهم
وفي الحديث : جن عليه الليل ؛ أي : ستره ، وبه سمي الجن لاستتارهم واختفائهم عن الأبصار ; ومنه سمي الجنين لاستتاره في بطن أمه . وجن الليل وجنونه وجنانه : شدة ظلمته وادلهمامه ، وقيل : اختلاط ظلامه ; لأن ذلك كله ساتر ; قال الهذلي :حتى يجيء وجن الليل يوغله والشوك في وضح الرجلين مركوز
ولولا جنان الليل أدرك خيلنا بذي الرمث والأرطى عياض بن ناشب
فتكنا بعبد الله خير لداته ذئاب بن أسماء بن بدر بن قارب
ولولا جنان الليل ما آب عامر إلى جعفر سرباله لم تمزق
ولا شمطاء لم يترك شفاها لها من تسعة إلا جنينا
ما إن أبالي إذا ما مت ما فعلوا أأحسنوا جنني أم لم يجنوني ؟
وهالك أهل يجنونه كآخر في أهله لم يجن
ويا حبذا الموت الكريه لحبها ! ويا حبذا العيش المجمل والجنن !
كل حي تقوده كف هاد جن عين تعشيه ما هو لاقي
ولا جن بالبغضاء والنظر الشزر
ويروى : ولا جن معناهما ، ولا ستر . والهادي : المتقدم ، أراد أن القدر سابق المنية المقدرة ; وأما قول موسى بن جابر الحنفي :فما نفرت جني ولا فل مبردي ولا أصبحت طيري من الخوف وقعا
إذا غاب نصرانيه في جنينها أهلت بحج فوق ظهر العجارم
وجهرت أجنة لم تجهر
يعني الأمواه المندفنة ، يقول : وردت هذه الإبل الماء فكسحته حتى لم تدع منه شيئا لقلته . يقال : جهر البئر نزحها . والمجن : الوشاح . [ ص: 218 ] والمجن : الترس . قال : وأرى ابن سيده اللحياني قد حكى فيه المجنة ، وجعله فعلا وسنذكره ، والجمع المجان - بالفتح . وفي حديث السرقة : سيبويه ، هو الترس ; لأنه يواري حامله ؛ أي : يستره ، والميم زائدة . وفي حديث القطع في ثمن المجن علي - كرم الله وجهه - : كتب إلي : قلبت لابن عمك ظهر المجن ; قال ابن عباس ابن الأثير : هذه كلمة تضرب مثلا لمن كان لصاحبه على مودة أو رعاية ثم حال عن ذلك . : وقلب فلان مجنه ؛ أي : أسقط الحياء ، وفعل ما شاء . وقلب أيضا مجنه : ملك أمره ، واستبد به ; قال ابن سيده : الفرزدق
كيف تراني قالبا مجني ؟ أقلب أمري ظهره للبطن
يزملون جنين الضغن بينهم والضغن أسود أو في وجهه كلف
الله يعلم أصحابي وقولهم إذ يركبون جنانا مسهبا وربا
جنان المسلمين أود مسا ولو جاورت أسلم أو غفارا
وإن لاقيت أسلم أو غفارا
قال في معنى بيت الرياشي : قوله أود مسا ؛ أي : أسهل لك ، يقول : إذا نزلت المدينة فهو خير لك من جوار أقاربك ، وقد أورد بعضهم هذا البيت شاهدا للجنان الستر ; ابن أحمر : جنانهم جماعتهم وسوادهم ، وجنان الناس دهماؤهم ; ابن الأعرابي أبو عمرو : جنانهم ما سترك من شيء ، يقول : أكون بين المسلمين خير لي ، قال : وأسلم وغفار خير الناس جوارا ; وقال الراعي يصف العير :
وهاب جنان مسحور تردى به الحلفاء وأتزر ائتزارا
رأت نضو أسفار أمية شاحبا على نضو أسفار فجن جنونها
فقالت من اي الناس أنت ومن تكن ؟ فإنك مولى أسرة لا يدينها
كأن سهيلا رامها وكأنها حليلة وخم جن منه جنونها
ويحك يا جني هل بدا لك أن ترجعي عقلي فقد أنى لك ؟
إنما أراد مرأة كالجنية ، إما في جمالها ، وإما في تلونها وابتدالها ، ولا تكون الجنية هنا منسوبة إلى الجن الذي هو خلاف الإنس حقيقة ; لأن هذا الشاعر المتغزل بها إنسي ، والإنسي لا يتعشق جنية ; وقول بدر بن عامر :
ولقد نطقت قوافيا إنسية ولقد نطقت قوافي التجنين
[ ص: 219 ]
من الدارميين الذين دماؤهم شفاء من الداء المجنة والخبل
فلم أر مثلي يستجن صبابة من البين أو يبكي إلى غير واصل
مثل النعامة كانت وهي سائمة أذناء حتى زهاها الحين والجنن
جاءت لتشري قرنا أو تعوضه والدهر فيه رباح البيع والغبن
فقيل أذناك ظلم ثمت اصطلمت إلى الصماخ فلا قرن ولا أذن
على ما أنها هزئت وقالت هنون أجن منشاذا قريب
وبتنا كأنا ضيف جن بليلة
والجان : أبو الجن ، خلق من نار ، ثم خلق منه نسله . والجان : الجن ، وهو اسم جمع كالجامل والباقر . وفي التنزيل العزيز : لم يطمثهن إنس قبلهم ولا جان . وقرأ : ( فيومئذ لا يسأل عن ذنبه إنس قبلهم ولا جأن ) ، بتحريك الألف وقلبها همزة ، قال : وهذا على قراءة عمرو بن عبيد : ( ولا الضألين ) ، وعلى ما حكاه أيوب السختياني أبو زيد عن أبي الأصبغ وغيره : شأبة ومأدة ; وقول الراجز :
خاطمها زأمها أن تذهبا
وقوله :
وجله حتى ابيأض ملببه
وعلى ما أنشده أبو علي لكثير :
وأنت ابن ليلى خير قومك مشهدا إذ ما احمأرت بالعبيط العوامل
قد كنت عندك حولا لا تروعني فيه روائع من إنس ولا جاني
ويهماء تعزف جنانها مشاربها داثرات أجن
يرفعن بالليل إذا ما أسدفا أعناق جنان وهاما رجفا
فلو جن إنسان من الحسن جنت
وفي الحديث : اللهم إني أعوذ بك من جنون العمل ؛ أي : من الإعجاب به ، ويؤكد هذا حديثه الآخر : أنه رأى قوما مجتمعين على إنسان ، فقال : ما هذا ؟ فقالوا : مجنون ، قال : هذا مصاب ، إنما المجنون الذي يضرب بمنكبيه وينظر في عطفيه ويتمطى في مشيته . وفي حديث فضالة : ، المجانين : جمع تكسير لمجنون وأما مجانون ، فشاذ كما شذ شياطون في شياطين ، وقد قرئ : كان يخر رجال من قامتهم في يالصلاة من الخصاصة حتى يقول الأعراب مجانين أو مجانون واتبعوا ما تتلو الشياطين . ويقال : ضل ضلاله ، وجن جنونه ; قال الشاعر :
هبت له ريح فجن جنونه لما أتاه نسيمها يتوجس
أعناق جنان وهاما رجفا وعنقا بعد الرسيم خيطفا
وسخر من جن الملائك تسعة قياما لديه يعملون بلا أجر
ولا جن بالبغضاء والنظر الشزر
فأما قول الهذلي :
أجني كلما ذكرت كليب أبيت كأنني أكوى بجمر
لهنك من عبسية لوسيمة على هنوات كاذب من يقولها
أجل أن الله قد فضلكم فوق من أحكي بصلب وإزار
فوق من أحكأ صلبا بإزار
أراد بالصلب الحسب ، وبالإزار العفة ، وقيل : في قولهم : أجنك كذا ؛ أي : من أجل أنك ، فحذفوا الألف واللام اختصارا ونقلوا كسرة اللام إلى الجيم ; قال الشاعر :
أجنك عندي أحسن الناس كلهم وأنك ذات الخال والحبرات
لا ينفخ التقريب منه الأبهرا إذا عرته جنه وأبطرا
كالسحل البيض جلا لونها سح نجاء الحمل الأسول
أروى بجن العهد سلمى ولا ينصبك عهد الملق الحول
كوم تظاهر نيها لما رعت روضا بعيهم والحمى مجنونا
يا رب أرسل خارف المساكين عجاجة ساطعة العثانين
تنفض ما في السحق المجانين
قال : يعني بخارف المساكين الريح الشديدة التي تنفض لهم [ ص: 221 ] التمر من رءوس النخل ; ومثله قول الآخر : ابن بري
أيا بارح الجوزاء ما لك لا ترى عيالك قد أمسوا مراميل جوعا ؟
ألما يسلم الجيران منهم وقد جن العضاه من العميم
تفقأ فوقه القلع السواري وجن الخازباز به جنونا
وطال جن السنام الأميل
أراد تموك السنام وطوله . وجن النبت جنونا ؛ أي : طال والتف وخرج زهره ; وقوله :
وجن الخازباز به جنونا
يحتمل هذين الوجهين . أبو خيرة : أرض مجنونة معشبة لم يرعها أحد . وفي التهذيب : شمر عن : يقال للنخل المرتفع طولا مجنون . وللنبت الملتف الكثيف الذي قد تأزر بعضه في بعض مجنون . والجنة : البستان ، ومنه الجنات ، والعرب تسمي النخيل جنة ; قال ابن الأعرابي زهير :كأن عيني في غربي مقتلة من النواضح تسقي جنة سحقا
درى باليسارى جنة عبقرية مسطعة الأعناق بلق القوادم
ألا ليت شعري هل أبيتن ليلة بمكة حولي إذخر وجليل ؟
وهل أردن يوما مياه مجنة ؟ وهل يبدون لي شامة وطفيل ؟
فوافى بها عسفان ثم أتى بها مجنة تصفو في القلال ولا تغلي
مما يضم إلى عمران حاطبه من الجنينة جزلا غير موزون
لكن قعيدة بيتنا مجفوة باد جناجن صدرها ولها غنا
أثرت في جناجن كإران ال ميت عولين فوق عوج رسال
ومن عجاريهن كل جنجن
وقيل : واحدها جنجون ، وقيل : الجناجن أطراف الأضلاع مما يلي قص الصدر وعظم الصلب . والمنجنون : الدولاب التي يستقى عليها ، نذكره في منجن ، فإن الجوهري ذكره هنا ، ورده عليه ، وقال : حقه أن يذكر في منجن ; لأنه رباعي ، وسنذكره هناك . ابن الأعرابي