وأما فأما حد الرجم فلا ينبغي أن يربط المرجوم بشيء ، ولا أن يمسك ، ولا أن يحفر له إذا كان رجلا بل يقام قائما ; لأن كيفية إقامة الحدود ماعزا لم يربط ولم يمسك ولا حفر له ، ألا يرى أنه روي أنه هرب من أرض قليلة الحجارة إلى أرض كثيرة الحجارة ولو ربط أو مسك أو حفر له لما قدر على الهرب ، وإن كان المرجوم امرأة فإن شاء الإمام حفر لها ، وإن شاء لم يحفر ، أما الحفر ; فلأنه أستر لها ، وقد روي { } . أنه عليه الصلاة والسلام حفر للمرأة الغامدية [ ص: 60 ] إلى ثندوتها ، وأخذ حصاة مثل الحمصة ورماها بها
وحفر سيدنا رضي الله عنه علي لشراحة الهمذانية إلى سرتها وأما ترك الحفر ; فلأن الحفر للستر وهي مستورة بثيابها ; لأنها لا تجرد عند إقامة الحد ولا بأس لكل من رمى أن يتعمد مقتله ; لأن الرجم حد مهلك فما كان أسرع إلى الهلاك كان أولى ، إلا إذا كان الرامي ذا رحم محرم من المرجوم فلا يستحب له أن يتعمد مقتله ; لأنه قطع الرحم من غير ضرورة ; لأن غيره يكفيه ويغنيه ، وقد روي { أن - غسيل الملائكة - استأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في قتل أبيه حنظلة أبي عامر - وكان مشركا - فنهاه عليه الصلاة والسلام عن ذلك ، وقال : دعه يكفيك غيرك } .
وأما : فأشد الحدود ضربا حد الزنا ثم حد الشرب ثم حد القذف ; لأن جناية الزنا أعظم من جناية الشرب والقذف ، أما من جناية القذف فلا شك فيه ; لأن القذف نسبة إلى الزنا فكانت دون حقيقة الزنا . حد الجلد
وأما من جناية الشرب ; فلأن قبح الزنا ثبت شرعا وعقلا وحرمة نفس الشرب ثبتت شرعا لا عقلا ; ولهذا كان الزنا حراما في الأديان كلها بخلاف الشرب ، وكذا الخمر يباح عند ضرورة المخمصة والإكراه ولا يباح الزنا عند الإكراه وغلبة الشبق ، وكذا وجوب الجلد في الزنا ثبت بنص الكتاب العزيز المكنون ولا نص في الشرب وإنما استخرجه الصحابة الكرام رضي الله عنهم بالاجتهاد والاستدلال بالقذف فقالوا : إذا سكر - هذى ، وإذا هذى - افترى ، وحد المفتري ثمانون وقال سبحانه وتعالى - جل شأنه - في حد الزنا في حد الزنا { ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله إن كنتم تؤمنون بالله } قيل في التأويل : أي بتخفيف الجلدات ، وإنما كان أخف الضربين ; لوجهين : أحدهما - أن وجوده ثبت بسبب متردد ; لأن القاذف يحتمل أن يكون صادقا في قذفه ، ولا حد عليه . ضرب القذف
والثاني - أنه انضاف إليه رد الشهادة على التأبيد ; فجرى فيه نوع تخفيف ويضرب قائما ولا يمد على العقابين ولا على الأرض ، كما يفعل في زماننا ; لأنه بدعة ، بل يضرب قائما ولا يمد السوط بعد الضرب بل يرفع ; لأن المد بعد الضرب بمنزلة ضربة أخرى ; فيكون زيادة على الحد ، ولا يمد يده إلى ما فوق رأسه ; لأنه يخاف فيه الهلاك أو تمزيق الجلد ، ولا يضرب بسوط له ثمرة ; لأن اتصال الثمرة بمنزلة ضربة أخرى ، فيصير كل ضربة بضربتين ; فيكون زيادة على القدر المشروع ، وينبغي أن يكون الجلاد عاقلا بصيرا بأمر الضرب ، فيضرب ضربة بين ضربتين ليس بالمبرح ولا بالذي لا يوجد فيه مس ، ويجرد الرجل في حد الزنا ويضرب على إزار واحد ; لأنه أشد الحدود ضربا ، ومعنى الشدة لا يحصل إلا بالتجريد ، وفي حد الشرب يجرد أيضا في الرواية المشهورة ، وروي عن الجلاد - رحمه الله - أنه لا يجرد . محمد
وجه هذه الرواية أن ضرب الشرب أخف من ضرب الزنا ، فلا بد من إظهار آية التخفيف وذلك بترك التجريد وجه الرواية المشهورة أنه قد جرى التخفيف فيه مرة في الضرب ، فلو خفف فيه ثانيا بترك التجريد - لا يحصل المقصود من الحد وهو الزجر ، ولا يجرد في حد القذف بلا خلاف ; لأن وجوبه بسبب متردد محتمل فيراعى فيه التخفيف بترك التجريد ، كما روعي في أصل الضرب ، بخلاف حد الشرب ; لأن وجوبه ثبت بسبب لا تردد فيه .
وأما المرأة فلا ينزع عنها ثيابها إلا الحشو والفرو في الحدود كلها ; لأنها عورة وتضرب قاعدة ; لأن ذلك أستر لها ، ويفرق الضرب في الأعضاء كلها ; لما ذكرنا ; لأن الجمع في عضو واحد يقع إهلاكا للعضو أو تمزيقا أو تخريقا للجلد ، وكل ذلك ليس بمشروع ، فيفرق على الأعضاء كلها إلا الوجه والمذاكير والرأس ، وقد ذكرنا ذلك فيما تقدم .