( وجه ) قول إن أبي حنيفة فلا يفيد العلم للقاضي بالمشهود به ، والأصل أن لا يجوز القضاء بما لا علم للقاضي به وبما ليس بثابت قطعا ; لقوله عز وجل { خبر من ليس بمعصوم عن الكذب محتمل للكذب ولا تقف ما ليس لك به علم } وإنه اسم للثابت قطعا وقوله سبحانه وتعالى { يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق } والحق اسم للكائن الثابت ، ولا ثبوت مع احتمال العدم فكان ينبغي أن لا يجوز القضاء به أصلا إلا أن الشرع جاء بالجواز ; لحاجة العباد إلى دفع الفساد وهو المنازعة القائمة بينهما بالدعوى ، والمنازعة سبب الفساد ، أو لدفع فساد الزنا كما في حد الزنا وعتق الأمة وطلاق المرأة ، أو لدفع فساد السكر في حد الشارب والسكر فألحق المحتمل بالمتيقن أو اكتفى بظاهر الصدق مع الاحتمال دفعا للفساد ، فبقي الحكم فيما وراء ذلك على الأصل وعلى هذا ، فإن شهدا في حال حياة المولى وصحته لا تقبل شهادتهما في قول شاهدان شهدا على رجل أنه أعتق أحد عبديه والعبدان يدعيان العتق أو يدعيه أحدهما ، وعندهما تقبل ; لأن الدعوى شرط قبول الشهادة على عتق العبد عنده ، والمدعي مجهول فجهالة المدعي منعته صحة الدعوى فامتنع قبول الشهادة ، وعندهما الدعوى ليست بشرط فجهالة المدعي لا تكون أقل من عدم الدعوى فلا تمنع قبول الشهادة فتقبل ويجبر على البيان ، وإن أبي حنيفة فهو على هذا الخلاف ، وإن شهدا على ذلك وهو مريض فمات ، أو شهدا بعد موته على أنه قال ذلك في المرض لا تقبل في قياس قول شهدا بعد وفاته على أنه [ ص: 112 ] أعتق أحدهما في حال صحته ، وفي الاستحسان تقبل ولا خلاف في أنهما إذا شهدا على أنه طلق إحدى امرأتيه ، تقبل ويخير فيختار طلاق إحداهما ، وجه قياس قول أبي حنيفة ما ذكرنا أن الدعوى شرط ، والمدعي مجهول ، وجه الاستحسان أن المدعي ههنا معلوم ; لأن الإعتاق في مرض الموت وصية ، والخصم في تنفيذ الوصية هو الموصي ، فكان الميت المشهود له لوقوع الشهادة له فكان المدعي معلوما فجازت الشهادة له ، بخلاف حال الصحة فإن الشهادة هناك وقعت لأحد العبدين فكان المشهود له مجهولا فلم تجز الشهادة ; ولأن المولى لما مات فقد شاع العتق فيهما جميعا فصار كل واحد منهما خصما في حق نفسه ، متعينا فتقبل الشهادة بخلاف حال الحياة والصحة . أبي حنيفة