( وأما ) فالذوق هو إيصال المذوق إلى الفم ابتلعه أو لا بعد أن وجد طعمه لأنه من أحد الحواس الخمس الموضوعة للعلم بالمذوقات كالسمع والبصر والشم واللمس للعلم بالمسموعات والمبصرات والمشمومات والملموسات والعلم بالطعم يحصل بحصول الذوق في فمه سواء ابتلعه أو مجه فكل أكل فيه ذوق وليس كل ذوق أكلا إذا عرف هذا فنقول إذا الحلف على الذوق حنث لحصول الذوق لوجود معناه وهو ما ذكرنا فإن حلف لا يذوق طعاما أو شرابا فأدخله في فيه دين فيما بينه وبين الله عز وجل ولا يدين في القضاء لأنه قد يراد بالذوق الأكل والشرب يقال في العرف ما ذقت اليوم شيئا وما ذقت إلا الماء ويراد به الأكل والشرب فإذا نوى ذلك لا يحنث فيما بينه وبين الله تعالى حتى يأكل أو يشرب لأنه نوى ما يحتمله كلامه ولا يصدق في القضاء لعدوله عن الظاهر . قال أردت بقولي لا أذوقه لا آكله ولا أشربه
قال هشام وسألت عن محمدا فقال رجل حلف [ ص: 68 ] لا يذوق في منزل فلان طعاما ولا شرابا فذاق منه شيئا أدخله فاه ولم يصل إلى جوفه هذا على الذوق إلا أن يكون تقدم كلام قلت فإن كان قال له المحلوف عليه تغد عندي اليوم فحلف لا يذوق في منزله طعاما ولا شرابا فقال محمد هذا على الأكل ليس على الذوق وإنما كان كذلك لما بينا أن حقيقة الذوق هي اكتساب سبب العلم بالمذوق وقد يستعمل ذلك في الأكل والشرب فإن تقدمت هناك دلالة حال خرج الكلام عليه حملت اليمين عليها وإلا عملت بحقيقة اللفظ ولو محمد لا يحنث وإن حصل له العلم بطعم الماء لأن ذلك لا يسمى ذوقا عرفا وعادة إذ المقصود منه التطهير لا معرفة طعم المذوق . حلف لا يذوق الماء فتمضمض للصلاة
ولو . حلف لا يأكل طعاما أو لا يشرب شرابا أو لا يذوق ونوى طعاما دون طعام أو شرابا دون شراب
فجملة الكلام في هذا أن الحالف لا يخلو إما أن ينوي تحصيص ما هو مذكور وإما أن فإن نوى تخصيص ما ليس بمذكور بأن ذكر لفظا عاما وأراد به بعض ما دخل تحت اللفظ العام من حيث الظاهر يصدق فيما بينه وبين الله تعالى ولا يصدق في القضاء لأن التكلم بالعام على إرادة الخاص جائز إلا أنه خلاف الظاهر لأن اللفظ وضع دلالة على العموم والظاهر من اللفظ الموضوع دلالة على العموم في اللغة إرادة العموم فكان نية الخصوص خلاف الظاهر فلا يصدق قضاء وإن نوى تخصيص ما هو مذكور لا يصدق في القضاء ولا فيما بينه وبين الله عز وجل سواء كان التخصيص راجعا إلى الذات أو إلى الصفة أو إلى الحال لأن الخصوص والعموم من صفات الألفاظ دون المعاني فغير الملفوظ لا يحتمل التعميم والتخصيص والتقييد فإذا نوى التخصيص فقد نوى ما لا يحتمله كلامه فلم تصح نيته رأسا وإذا عرف هذا فتخرج عليه مسائل إذا نوى تخصيص ما ليس بمذكور لا يصدق في القضاء ويصدق فيما بينه وبين الله تعالى لأنه نوى التخصيص من اللفظ المذكور في موضع العموم كما بينا فيما تقدم أن قوله إن أكلت طعاما بمعنى قوله لا آكل طعاما فيتناول بظاهره كل طعام فإذا نوى به بعض الأطعمة دون بعض فقد نوى الخصوص في اللفظ العام وأنه يحتمله لكنه خلاف الظاهر فلا يصدق قضاء ويدين فيما بينه وبين الله عز وجل وإن قال إن أكلت طعاما أو شربت شرابا أو إن ذقت طعاما أو شرابا فعبدي حر ، وقال عنيت اللحم أو الخبز فأكل غيره فإن عبده يعتق في القضاء وفيما بينه وبين الله عز وجل لأنه نوى التخصيص من غير المذكور إذ الطعام والشراب ليسا بمذكورين بل يثبتان بطريق الاقتضاء والمقتضى لا عموم له وعند قال إن أكلت أو ذقت أو شربت فعبدي حر وهو ينوي طعاما بعينه أو شرابا بعينه فأكل أو شرب غيره يدين فيما بينه وبين الله عز وجل ويزعم أن للمقتضى عموما والصحيح قولنا لما ذكرنا أن العموم والخصوص من صفات الموجود دون المعدوم إذ المعدوم لا يحتمل الصفة حقيقة إلا أنه يجعل موجودا بطريق الضرورة لصحة الكلام فيبقي فيما وراءه على حكم العدم وأما التخصيص الراجع إلى الصفة والحال فنحو ما حكى الشافعي بشر عن في رجل أبي يوسف كانت نيته باطلة وحنث إن كلمه لأن الحال والصفة ليست بمذكورة فلا تحتمل التخصيص . قال والله لا أكلم هذا الرجل وهو قائم وعنى به وما دام قائما لكنه لم يتكلم بالقيام
ولو وسعه فيما بينه وبين الله تعالى لورود التخصيص على الملفوظ وكذلك إذا حلف لا يكلم هذا القائم يعنى به ما دام قائما فبأي سوط ضربه فقد خرج عن يمينه والنية باطلة لأن آلة الضرب ليست بمذكورة فبطلت نية التخصيص ونظير هذا ما حكى قال والله لأضربن فلانا خمسين وهو ينوي بسوط بعينه عن ابن سماعة في رجل محمد فقال ليس في هذا نية فلا يصدق فيما بينه وبين الله عز وجل ولا في القضاء . حلف ، وقال والله لا أتزوج امرأة وهو ينوي كوفية أو بصرية
ولو فهذا كله لا تجوز فيه النية ولو قال والله لا أتزوج امرأة يعني امرأة عربية أو حبشية قال هذا جائز يدين فيما نواه فقد جعل قوله عربية أو حبشية بيان النوع وقوله كوفية أو بصرية وصفا فجوز تخصيص النوع ولم يجوز تخصيص الوصف لأن الصفة ليست بمذكورة والجنس مذكور وهو قوله امرأة لأنه يتناول كل امرأة لأنه في موضع النفي فتعمل نيته في نوع دون نوع لاشتمال اسم الجنس على الأنواع وقال قال والله لا أتزوج امرأة يعني امرأة كان أبوها يعمل كذا وكذا عن ابن سماعة في رجل محمد قال يصدق فيما بينه [ ص: 69 ] وبين الله تعالى لأن اللفظ عام يحتمل تخصيص جنس أفراد العموم إلا أنه خلاف الظاهر فلا يصدق في القضاء قال . قال والله لا أتزوج امرأة على ظهر الأرض ينوي امرأة بعينها
ولو فإن نيته باطلة لأنه ليس بتخصيص نوع من جنس وإنما هو تخصيص صفة فأشبه الكوفية والبصرية . قال لا أشتري جارية ونوى مولدة
ولو فيمينه على بعض الجنس لما بينا فيما تقدم وإن أراد به الجنس صدق لأنه نوى حقيقة كلامه . قال والله لا آكل الطعام أو لا أشرب الماء أو لا أتزوج النساء