حبقوق في كتابه : إن الله جاء من قول اليمن ، والقدوس من جبال فاران ، لقد أضاءت السماء من بهاء محمد ، وامتلأت الأرض من حمده ، شعاع منظره مثل النور ، يحوط بلاده بعزة ، تسير المنايا أمامه ، وتصحب سباع الطير أجناده ، قام فمسح الأرض فتضعضعت له الجبال القديمة ، وانخفضت الروابي فتزعزعت أسوار مدين ، ولقد [ ص: 373 ] حاز المساعي القديمة ، ثم قال : زجرك في الأنهار ، واحتذام صوتك في البحار ، ركبت الخيول ، وعلوت مراكب الأتقياء ، وستنزع في قسيك أعراقا ، وترتوي الهام بأمرك يا محمد ارتواء ، ولقد رأتك الجبال فارتاعت ، وانحرف عنك شؤبوب السيل ، وتضيمت المهاري تضورا ، ورفعت أيديها وجلا وخوفا ، وسارت العساكر في بريق سهامك ، ولمعان نيازكك ، وتدوخ الأرض وتدوس الأمم أنك ظهرت بخلاص أمتك ، وإنقاذ تراب آبائك .
فمن رام صرف هذه البشارة عن محمد فقد رام ستر الشمس بالنهار ، وتغطية البحار ، وأنى يقدر على ذلك ، وقد وصفه بصفات عينت شخصه ، وأزالت عن الحيران لبسه ؟ ! بل قد صرح باسمه مرتين ، حتى انكشف الصبح لمن كان ذا عينين ، وأخبر بقوة أمته ، وتسيير المنايا أمامهم ، واتباع جوارح الطير آثارهم ، وهذه النبوة لا تليق إلا بمحمد صلى الله عليه وسلم ولا تصلح إلا له ، ولا تنزل إلا عليه ، فمن حاول صرف الأنهار العظيمة عن مجاريها ، وحبسها عن غايتها ومنتهاها ، فهيهات ما يروم المبطلون والجاحدون ، ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون .
فمن الذي امتلأت الأرض من حمده وحمد أمته في صلواتهم وخطبهم ، وإدبار صلواتهم ، وعلى السراء والضراء ، وجميع الأحوال سواهم ! حتى سماهم الله تعالى قبل ظهورهم الحمادين ! ومن ذا الذي كان وجهه كأن الشمس والقمر يجريان فيه من ضيائه ونوره ؟ .
[ ص: 374 ] قد عود الطير عادات وثقن به فهن يتبعنه في كل مرتحل لو لم يقل إني رسول أما أتى شاهده في وجهه ينطق ومن الذي سارت المنايا أمامه ، وصحبت سباع الطير جنوده لعلمهما بقرب من ذبح الكفار لله الواحد القهار .
يتطايرون بقربه قربانهم بدماء من علقوا من الكفار ومن الذي تضعضعت له الجبال وانخفضت له الروابي ، وداس الأمم وروع العالم ، وانتقضت لنبوته الممالك ، وخلص الأمة من الشرك والكفر والجهل والظلم سواء ؟ .