( فصل ) قول داود : سبحوا الله تسبيحا جديدا ، وليفرح إسرائيل بخالقه ، وبيوت صهيون من أجل أن الله اصطفى له أمته ، وأعطاهم النصر ، وسدد الصالحين بالكرامة ، ويسبحونه على مضاجعهم ، ويكبرون الله تعالى بأصوات مرتفعة ، بأيديهم سيوف ذات شفرتين ، لينتقم بهم من الأمم الذين لا يعبدونه ، يوثقون ملوكهم بالقيود ، وأشرافهم بالأغلال . في الزبور
[ ص: 352 ] وهذه الصفات إنما تنطبق على محمد وأمته ، فهم الذين يكبرون الله بأصوات مرتفعة في أذانهم للصلوات الخمس ، وعلى الأماكن العالية ، قال جابر : . كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم إذا علونا شرفا كبرنا ، وإذا هبطنا سبحنا ، ووضعت الصلاة على ذلك
وهم يكبرون الله بأصوات عالية مرتفعة في الأذان ، وفي عيد الفطر ، وعيد النحر ، وفي عشر ذي الحجة ، وعقيب الصلوات الخمس في أيام منى ، وذكر عن البخاري رضي الله عنه أنه كان يكبر عمر بن الخطاب بمنى فيسمعه أهل المسجد فيكبرون بتكبيره ، فيسمعهم أهل الأسواق فيكبرون ، حتى ترتج منى تكبيرا .
وكان رضي الله عنه ، أبو هريرة رضي الله عنه يخرجان إلى الأسواق أيام العشر ، فيكبران ويكبر الناس بتكبيرهما . ويكبرون أيضا على قرابينهم وضحاياهم ، وعند رمي الجمار ، وعند وابن عمر الصفا والمروة ، وعند محاذاة الحجر الأسود ، وفي أدبار الصلوات ، وليس هذا لأحد من الأمم ، لا أهل الكتاب ولا غيرهم سواهم ، فإن اليهود يجمعون الناس بالبوق ، والنصارى بالناقوس . وأما تكبير الله بأصوات مرتفعة فشعار محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم وأمته .
[ ص: 353 ] وقوله : بأيديهم سيوف ذات شفرتين ، فهي السيوف العربية التي فتح الصحابة رضي الله عنهم بها البلاد ، وهي إلى اليوم معروفة لهم .
وقوله : يسبحون على مضاجعهم ، هو نعت المؤمنين الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم .
ومعلوم قطعا أن هذه البشارة لا تنطبق على النصارى ولا تناسبهم ، فإنهم لا يكبرون الله بأصوات مرتفعة ، ولا بأيديهم سيوف ذات شفرتين ، ينتقم الله تعالى بها من الأمم ، والنصارى تصيب من يقاتل الكفار بالسيوف ، وفيهم من يجعل هذا من أسباب التنفير عن محمد صلى الله عليه وسلم ، ولجهلهم وضلالهم لا يعلمون أن موسى عليه السلام قاتل الكفار ، وبعده يوشع بن نون ، وبعده داود وسليمان وغيرهم من الأنبياء ، وقبلهم إبراهيم الخليل صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين .