ولما عرف ملك الحبشة أن عباد الصليب لا يخرجون عن عبادة الصليب إلى عبادة الله وحده ، أسلم وحده سرا ، وكان النجاشي . يكتم إسلامه بينهم هو وأهل بيته ولا يمكنه مجاهرتهم
ذكر ابن إسحاق أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسل إليه بكتابه [ ص: 279 ] يدعوه إلى الإسلام ، فقال له عمرو بن أمية الضمري عمرو : يا أصحمة أنا علي القول وعليك الاستماع : إنك كأنك في الرقة علينا منا ، وكأنا في الثقة بك منك ، لأنا لم نظن بك خيرا قط إلا نلناه ، ولم نخفك على شيء إلا أمناه ، وقد أخذنا الحجة عليك من فيك ، الإنجيل بيننا وبينك شاهد لا يرد ، وقاض لا يجور ، وفي ذلك موقع الحز وإصابة الفصل ، وإلا فأنت في هذا النبي الأمي كاليهود في عيسى ابن مريم ، وقد فرق النبي صلى الله عليه وسلم رسله إلى الناس فرجاك بما لم يرجهم ، وأمنك على ما خافهم عليك لخير سالف وأجر منتظر .
فقال : أشهد بالله إنه للنبي الأمي الذي ينتظره أهل الكتاب ، وإن بشارة النجاشي موسى براكب الحمار كبشارة عيسى براكب الجمل ، ( وإن العيان ليس بأشفى من الخبر ) قال : وكتب إليه " بسم الله الرحمن الرحيم ، من الواقدي محمد رسول الله إلى ملك الحبشة ( سلم ) أنت ، فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن ، وأشهد أن النجاشي عيسى روح الله وكلمته ألقاها إلى مريم البتول الطيبة الحصينة ، حملت بعيسى فخلقه الله من روحه ونفخه كما خلق آدم [ ص: 280 ] بيده ، وإني أدعوك إلى الله وحده لا شريك له ، والموالاة على طاعته ، وأن تتبعني وتؤمن بالذي جاءني ، فإني رسول الله إليك ( وإني ) أدعوك وجنودك إلى الله عز وجل ، وقد بلغت ونصحت فاقبلوا نصيحتي والسلام على من اتبع الهدى .
فكتب إليه : النجاشي
بسم الله الرحمن الرحيم .
إلى محمد رسول الله من أصحمة ، سلام عليك يا نبي الله من الله وبركات الله الذي لا إله إلا هو . أما بعد : النجاشي
فلقد بلغني كتابك فيما ذكرت من أمر عيسى عليه السلام ، فورب السماء والأرض إن عيسى لا يزيد على ما ذكرت تفروقا ، إنه كما ذكرت ، وقد عرفنا ما بعث به إلينا ، قد قربنا ابن عمك وأصحابه ، فأشهد أنك رسول الله صادقا مصدقا ، وقد بايعتك وبايعت ابن عمك ، وأسلمت على يديه لله رب العالمين " . والتفروق علامة تكون بين النواة والثمرة .