فإن قلتم : إنما أشعيا النبي : قل لصهيون يفرح ويتهلل فإن الله يأتي ويخلص الشعوب ، ويخلص من آمن به ، ويخلص مدينة جعلناه إلها من جهة قول بيت المقدس ، ويظهر الله ذراعه الطاهر فيها لجميع الأمم المتبددين ، ويجعلهم أمة واحدة ، ويبصر جميع أهل الأرض خلاص الله ، لأنه يمشي معهم وبين أيديهم ويجمعهم إله إسرائيل .
قيل لكم : هذا يحتاج أولا إلى أن يعلم أن ذلك في نبوة أشعيا بهذا اللفظ من غير تحريف للفظه ولا غلط في الترجمة ، وهذا غير معلوم .
وإن ثبت ذلك لم يكن فيه دليل على أنه إله تام ، وأنه غير مصنوع ولا مخلوق ، فإنه نظير ما في التوراة من قوله : جاء الله من طور سيناء ، وأشرق من ساعير ، واستعلن من جبال فاران ، وليس في هذا ما يدل على أن موسى ومحمدا إلهين .
والمراد مجيء دينه وكتابه وشرعه وهداه ونوره .
وأما قوله : ويظهر الله ذراعه الطاهر لجميع الأمم المتبددين ، ففي التوراة مثل هذا وأبلغ منه في غير موضع .
وأما قوله : ويبصر جميع أهل الأرض خلاص الله لأنه يمشي معهم وبين يديهم ، فقد قال في التوراة في السفر الخامس لبني إسرائيل : لا تهابوهم ولا تخافوهم ، لأن الله ربكم السائر بين أيديكم وهو محارب عنكم .
وفي موضع آخر قال موسى : إن الشعب هو شعبك ، فقال أنا أمضي أمامك ، [ ص: 508 ] فقال : إن لم تمض أنت أمامنا ، وإلا فلا تصعدنا من ههنا ، وكيف أعلم أنا وهذا الشعب أني وجدت نعمة كذا إلا بسيرك معنا ؟ .
وفي السفر الرابع : إن أصعدت هؤلاء بقدرتك فيقولون لأهل الأرض الذين سمعوا منك : الله فيما بين هؤلاء القوم يرونه عينا بعين ، وغمامك يقيم عليهم ، ويعود غمام يسير بين أيديهم نهارا ويعود نارا ليلا .
وفي التوراة أيضا يقول الله لموسى : إني آت إليك في غلظ الغمام لكي يسمع القوم مخاطبتي لك .
وفي الكتب الإلهية وكلام الأنبياء من هذا كثير ، وفيما حكى خاتم الأنبياء عن ربه تعالى أنه قال : . ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه ، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به ، وبصره الذي يبصر به ، ويده التي يبطش بها ، ورجله التي يمشي بها ، فبي يسمع ، وبي يبطش ، وبي يمشي