ولقد كان يجب لله سبحانه - لو سبق في حكمته أنه يبرز لعباده ، وينزل عن كرسي عظمته ، ويباشرهم بنفسه - أن لا يدخل في فرج امرأة ، ويقيم في بطنها بين البول والنجو والدم عدة أشهر ، وإذ قد فعل ذلك . لا يخرج صبيا ، يرضع ويبكي ، وإذ قد فعل ذلك ، لا يأكل مع الناس ولا يشرب مع الناس ولا ينام معهم ، وإذ قد فعل ذلك ، فلا يبول ولا يتغوط ، ويمتنع من الخرأة إذ هي منقصة ابتلي بها الإنسان في هذه الدار لنقصه وحاجته ، وهو ، المنعوت بنعوت الجلال ، الذي ما وسعته سماواته ولا أرضه ، وكرسيه وسع السماوات والأرض ، فكيف وسعه فرج امرأة ، تعالى رب العالمين - وكلكم متفقون على أن تعالى المختص بصفات الكمال المسيح كان يأكل ويشرب ويبول ويتغوط وينام .
فيا معشر المثلثة وعباد الصليب ، أخبرونا من كان الممسك للسماوات والأرض حين كان ربها وخالقها مربوطا على خشبة الصليب ، وقد شدت يداه ورجلاه بالحبال ، وسمرت اليد التي أتقنت العوالم ؟ فهل بقيت السماوات والأرض خلوا من إلهها وفاطرها ؟ وقد جرى [ ص: 498 ] عليه هذا الأمر العظيم ؟ أم تقولون استخلف على تدبيرها غيره ، وهبط عن عرشه لربط نفسه على خشبة الصليب ، وليذوق حر المسامير وليوجب اللعنة على نفسه ، حيث قال في التوراة : ملعون من تعلق بالصليب ، أم تقولون : - وهو في الحقيقة قولكم - لا ندري ولكن هذا في الكتب ، وقد قاله الآباء ، وهم القدوة ، والجواب عليهم .