( و ) نشهد ( أنه بلغ ) إلى الناس كافة ( ما ) أي الذي ( قد أرسلا ) بالبناء للمفعول ، والألف للاطلاق ، ( به ) من ربه ( وكل ما إليه أنزلا ) من الكتاب والحكمة . وفي هذا البحث مسائل عظيمة الخطر جليلة القدر :
( الأولى ) : أنه أي الرسول - صلى الله عليه وسلم - مبلغ عن الله - عز وجل ، لم يقل شيئا من رأيه فيما يتعلق بالتبليغ ، بل ليس عليه إلا بلاغ الرسالة من الله إلى الناس ، وتلاوة آياته على الناس ، وتعليمهم الحكمة والتبيان ، وذلك ، فأمره ونهيه تبليغ لأمره ونهيه ، وأخباره وقصصه تبليغ لما قصه الله وأخبر به ، ولذا كان طاعته طاعة لله - عز وجل ، ومعصيته معصية لله - عز وجل ، وتكذيبه تكذيبا لإخبار الله - عز وجل - في أنه رسوله ، قال الله - تبارك وتعالى : معنى كونه - صلى الله عليه وسلم - رسول الله وأرسلناك للناس رسولا وكفى بالله شهيدا من يطع الرسول فقد أطاع الله ومن تولى فما أرسلناك عليهم حفيظا ( النساء 79 ) ، وقال تعالى : يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله ورسوله ولا تولوا عنه وأنتم تسمعون ولا تكونوا كالذين قالوا سمعنا وهم لا يسمعون ( الأنفال 20 - 21 ) ، وقال تعالى : وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول واحذروا فإن توليتم فاعلموا أنما على رسولنا البلاغ المبين ( المائدة 92 ) ، وقال تعالى : وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول فإن توليتم فإنما عليه ما حمل وعليكم ما حملتم وإن تطيعوه تهتدوا وما على الرسول إلا البلاغ المبين ( النور 54 ) ، وقال تعالى : فإن أعرضوا فما أرسلناك عليهم حفيظا إن عليك إلا البلاغ ( الشورى 48 ) ، وقال تعالى : إنما أنت منذر ولكل قوم هاد ( الرعد 7 ) ، وقال تعالى : إن أنت إلا نذير ( فاطر 23 ) ، وقال : قل إنما أنا منذر وما من إله إلا الله الواحد القهار ( ص 65 ) ، وقال تعالى : قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي أنما إلهكم إله واحد فاستقيموا إليه واستغفروه ( الكهف 110 ) ، وقال : نحن أعلم بما يقولون وما أنت عليهم بجبار فذكر بالقرآن من يخاف وعيد ( ق 45 ) [ ص: 1107 ] ، وقال تعالى : قل إني لن يجيرني من الله أحد ولن أجد من دونه ملتحدا إلا بلاغا من الله ورسالاته ومن يعص الله ورسوله فإن له نار جهنم خالدين فيها أبدا ( الجن 22 ) ، وقال : وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين ( الذاريات 55 ) ، وقال تعالى : فذكر إن نفعت الذكرى سيذكر من يخشى ( الأعلى 9 ) ، وقال تعالى : فذكر إنما أنت مذكر لست عليهم بمسيطر ( الغاشية21 ) ، وقال تعالى : وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا ( الحشر 7 ) ، وغير ذلك من الآيات ، وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى علمه شديد القوى ( النجم 4 ) .
وقال - رحمه الله تعالى : عن الإمام أحمد أبي أمامة - رضي الله عنه - أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : ربيعة ومضر . فقال رجل : يا رسول الله ، وما ربيعة ومضر ؟ قال : إنما أقول ما أقول . ليدخلن الجنة بشفاعة رجل ، ليس بنبي مثل الحيين - أو مثل أحد الحيين -
وله عن عبد الله بن عمر ، وقال : قريش ، فقالوا : إنك تكتب كل شيء تسمعه من رسول الله - صلى الله عليه وسلم ، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتكلم في الغضب والرضا ، فأمسكت عن الكتاب حتى ذكرت ذلك لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : اكتب فوالذي نفسي بيده ، ما خرج مني إلا الحق . كنت أكتب كل شيء أسمعه من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أريد حفظه ، فنهتني
وله عن - رضي الله عنه ، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : أبي هريرة . لا أقول إلا حقا . قال بعض أصحابه : فإنك تداعبنا . قال : إني لا أقول إلا حقا
وللبزار [ ص: 1108 ] عنه - رضي الله عنه ، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : ما أخبرتكم أنه من عند الله ، فهو الذي لا شك فيه . وغير ذلك من الأحاديث ، ويكفي في ذلك قول الله تعالى : ولو تقول علينا بعض الأقاويل لأخذنا منه باليمين ثم لقطعنا منه الوتين ( الحاقة 44 ) الآيات .