[ ص: 794 ] المسألة الرابعة والعشرون
وهو أن ، وإذا أمكن في أهل الفرق أمكن فيمن خرج عنهم ، وهم أهل البدع الجزئية . من تلك الفرق من لا يشرب هوى البدعة ذلك الإشراب ، فإذا يمكن فيه التوبة
فإما أن يرجح ما تقدم من الأخبار على هذا الحديث ، لأن هذه الرواية في إسنادها شيء ، وأعلى ما يجرى في الحسان ، وفي الأحاديث الأخر ما هو صحيح ، كقوله :
وما أشبه . يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية ثم لا يعودون كما يعود السهم على فوقه
وأما أن يجمع بينهما ، فتجعل النقل الأول عمدة في عموم قبول التوبة ، ويكون هذا الإخبار أمرا زائدا على ذلك ، إذ لا يتنافيان بسبب أن من شأن البدع مصاحبة الهوى ، وغلبة الهوى للإنسان في الشيء المفعول أو المتروك له أبدا أثر فيه ، والبدع كلها تصاحب الهوى ، ولذلك سمي أصحابها أهل الأهواء ، فوقعت التسمية بها ، وهو الغالب عليهم ، إذ يصاحبه دليل شرعي إنما نشأ عن الهوى مع شبهة دليل ، لا عن الدليل بالعرض فصار هوى يصاحبه دليل شرعي في الظاهر ، فكان أجرى في البدع من القلب موقع السويداء فأشرب حبه ، ثم إنه يتفاوت ، إذ ليس في رتبة واحدة ولكنه تشريع كله ، واستحق صاحبه أن لا توبة له ، عافانا الله من النار بفضله ومنه .
وإما أن يعمل هذا الحديث مع الأحاديث الأول - على فرض العمل به - ونقول : إن ما تقدم من الأخبار عامة ، وهذا يفيد الخصوص كما تفيده ، أو يفيد معنى يفهم منه الخصوص ، وهو الإشراب في أعلى [ ص: 795 ] المراتب مسوقا مساق التبغيض ، لقوله :
وإنه سيخرج في أمتي أقوام إلى آخره ، فدل أن ثم أقواما أخر لا تتجارى بهم تلك الأهواء على ما قال ، بل هي أدنى من ذلك ، وقد لا تتجارى بهم ذلك .
وهذا التفسير بحسب ما أعطاه الموضع ، وتمام المسألة قد مر في الباب الثاني والحمد لله . لكن على وجه لا يكون في الأحاديث كلها تخصيص ، وبالله التوفيق .