( على النبي ) قال في المطلع : يهمز ولا يهمز ، فمن جعله من النبأ همزه ; لأنه ينبئ الناس عن الله ، ولأنه ينبأ هو بالوحي ، ومن لم يهمز ، فإما سهله وإما أخذه من النبوة ، وهي الرفعة لارتفاع منازل الأنبياء على الخلق ، وقيل مأخوذ من النبي الذي هو الطريق ; لأنهم الطرق الموصلة إلى الله - تعالى . وهو إنسان أوحي إليه بشرع ، وإن لم يؤمر بتبليغه ، فإن أمر بتبليغه فهو رسول أيضا على المشهور ، فبين النبي والرسول عموم وخصوص مطلق ، فكل رسول نبي ، وليس كل نبي رسولا . ; لتميزه بالرسالة التي هي أفضل من النبوة على الأصح خلافا والرسول أفضل من [ ص: 50 ] النبي إجماعا لابن عبد السلام ، ووجه تفضيل الرسالة ; لأنها تثمر هداية الأمة ، والنبوة قاصرة على النبي ، فنسبتها إلى النبوة كنسبة العالم إلى العابد ، ثم إن محل الخلاف فيهما مع اتحاد محلهما وقيامهما معا بشخص واحد - أما مع تعدد المحل فلا خلاف في أفضلية الرسالة على النبوة - ضرورة جمع الرسالة لها مع زيادة ( المصطفى ) أي المختار والمستخلص مأخوذ من الصفوة مثلثة ، يقال : استصفى الشيء : أخذ منه صفوه ، واختاره كاصطفاه ، وفي مسلم ، عن والنسائي - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " واثلة بن الأسقع كنانة من ولد إسماعيل ، واصطفى قريشا من كنانة ، واصطفى من قريش بني هاشم " . ورواه إن الله - تعالى - اصطفى الترمذي ، ولفظه : " إبراهيم إسماعيل ، واصطفى من ولد إسماعيل بني كنانة ، واصطفى من بني كنانة قريشا ، واصطفى من قريش بني هاشم ، واصطفاني من بني هاشم " . إن الله اصطفى من ولد
( كنز ) أي معدن ومقر ( الهدى ) وموضعه الذي نشأ عنه واستقر لديه ، والكنز في الأصل المال المدفون تحت الأرض ، وفي الحديث : " " . أي أجرها مدخر لقائلها والمتصف بها ، كما يدخر الكنز المدفون لصاحبه . والهدى في الأصل مصدر كالسرى والتقى ، ومعناه الرشاد والدلالة ولو غير موصلة ، ومن أسمائه - تعالى - الهادي ، وهو الذي بصر عباده وعرفهم طرق معرفته حتى أقروا بربوبيته ، وهدى كل مخلوق إلى ما لا بد له منه في بقائه ودوام وجوده ، وفي الحديث : " لا حول ولا قوة إلا بالله كنز من كنوز الجنة " . المراد بالهدى هنا السيرة والهيئة والطريقة ، ومعنى الحديث أن هذه الخلال من شمائل الأنبياء وخصالهم الحميدة ، وأنها جزء معلوم من جزاء أفعالهم ، لا أن المعنى أن النبوة تتجزأ ، ولا أن من جمع هذه الخلال كان فيه جزء من النبوة ، فإن الهدى الصالح والسمت الصالح جزء من خمسة وعشرين جزءا من النبوة ، وإنما هي كرامة [ ص: 51 ] من الله - تعالى - كما يأتي تقرير ذلك في محله إن شاء الله - تعالى ، وتخصيص هذا العدد مما كان يستأثر النبي - صلى الله عليه وسلم - بمعرفته . النبوة غير مكتسبة ولا مجتلبة بالأسباب