سجع على
إني جزيتهم اليوم بما صبروا
لله أقوام امتثلوا ما أمروا ، وزجروا عن الزلل فانزجروا ، فإذا لاحت الدنيا غابوا وإذا بانت الأخرى حضروا ، فلو رأيتهم في القيامة إذا حشروا قوله تعالى : إني جزيتهم اليوم بما صبروا .
جن عليهم الليل فسهروا ، وطالعوا صحف الذنوب فانكسروا ، وطرقوا باب المحبوب [ ص: 171 ] واعتذروا وبالغوا في المطلوب ثم حذروا فانظر بماذا وعدوا في الذكر وذكروا إني جزيتهم اليوم بما صبروا .
ربحوا والله وما خسروا ، وعاهدوا على الزهد فما غدروا ، واحتالوا على نفوسهم فملكوا وأسروا وتفقدوا أنه المولى فاعترفوا وشكروا إني جزيتهم اليوم بما صبروا .
بيوتهم في خلوها كالصوامع ، وعيونهم تنظر بالتقى من طرف خاشع والأجفان قد سحت سحب المدامع تسقي بذر الفكر الذي بذروا إني جزيتهم اليوم بما صبروا .
استوحشوا من كل جليس ، شغلا بالمعنى النفيس ، وزموا مطايا الجد فسارت العيس ، وبادروا الفرصة ففاتوا إبليس ، لا وقفوا ولا فتروا إني جزيتهم اليوم بما صبروا .
قلوب في الخدمة حضرت ، أسرار بالصدق عمرت ، كم شهوة في صدورهم انكسرت ، أخبارهم تحيي القلوب إذا نشرت ، ويقال عن القوم إذا نشروا إني جزيتهم اليوم بما صبروا .
جدوا فليس فيهم من يلعب ، ورفضوا الدنيا فتركوها تخرب ، وأذابوا قلوبهم بقلة المطعم والمشرب ، فغدا يقال : كل يا من لم يأكل واشرب يا من لم يشرب ، أذكارهم في الحياة وإن كانوا قبروا إني جزيتهم اليوم بما صبروا .
علموا أن الدنيا لعب ولهو وزينة ، وأن من وافق مرادها فارق دينه ، فحذروا من غرور يجدي غبينة ، فركبوا من التقى في سفينة أشحنوها بالزاد وعبروا إني جزيتهم اليوم بما صبروا .
طوبى لهم والأملاك تتلقاهم ، كشف الحجاب عن عيونهم فأراهم ، هذا أقصى آمالهم وقد ظفروا إني جزيتهم اليوم بما صبروا .
بلغنا الله ذلك المبلغ وأسمعنا زجر الناصح فقد أبلغ ، وسترنا من العقاب فإنه إن عفا أسبغ ، ولولا عونه ما قدروا إني جزيتهم اليوم بما صبروا .