منافسة الهوى فيما يزول هلى نقصان همته دليل ومختار القليل أقل منه
وكل فوائد الدنيا قليل
كان الشبلي يقول : لا تغترر بدار لا بد من الرحيل عنها ، ولا تخرب دارا لا بد من الخلود فيها .
أخبرنا أحمد بن أحمد الهاشمي ، أنبأنا أنبأنا أبو بكر الخطيب ، الحسن بن أحمد الدورقي ، حدثنا جعفر بن محمد بن أحمد المؤدب ، حدثنا حدثنا محمد بن يونس ، شداد بن علي الهرابي ، حدثنا قال : عبد الواحد بن زيد ، قلت : فمتى [ ص: 166 ] يذوق العبد حلاوة الأنس بالله ؟ قال : إذا صفا الود وخلصت المعاملة ، قلت : فمتى يصفو الود ؟ قال : إذا اجتمع الهم في الطاعة ، قلت : فمتى تخلص المعاملة ؟ قال : إذا كان الهم هما واحدا ، قلت : فكيف تخليت بالوحدة ؟ قال : لو ذقت حلاوة الوحدة لاستوحشت إليها من نفسك ، قلت : فما أكثر ما يجد العبد من الوحدة ، قال : الراحة من مداركة الناس والسلامة من شرهم ، قلت : بماذا يستعان على قلة المطعم ؟ قال : بالتحري في المكسب ، قلت : زدني خلالا ، قال : كل حلالا وارقد حيث شئت ، قلت : فأين طريق الراحة ؟ قال : خلاف الهوى ، قلت : لم تعلقت في هذه الصومعة ؟ قال : من مشى على الأرض عثر ، فتحصنت بمن في السماء من فتنة أهل الأرض لأنهم سراق العقول ، وذلك أن القلب إذا صفا ضاقت عليه الأرض فأحب قرب السماء ، قلت : يا راهب من أين تأكل ؟ قال : من زرع لم أبذره ، قلت : من يأتيك به ؟ قال : الذي نصب الرحا يأتيها بالطحين ، قلت : كيف ترى حالك ؟ قال : كيف يكون حال من أراد سفرا بلا أهبة ، ويسكن قبرا بلا مؤنس ، ويقف بين يدي حكم عدل ، ثم أرسل عينه وبكى ، قلت : ما يبكيك ؟ قال : ذكرت أياما مضت من أجلي لم أحقق فيها عملي ، وفكرت في قلة الزاد وفي عقبة هبوط إلى الجنة أو إلى النار ، قلت : يا راهب : بم يستجلب الحزن ؟ قال : بطول الغربة ، وليس الغريب من مشى من بلد إلى بلد ، ولكن الغريب صالح بين فساق . مررت براهب فناديته : يا راهب من تعبد ؟ قال : الذي خلقني وخلقك ، قلت عظيم هو ؟ قال : قد جاوزت عظمته كل شيء ،
ثم قال : إن سرعة الاستغفار توبة الكذابين ، لو علم اللسان مما يستغفر لجف في الحنك ، إن الدنيا منذ ساكنها الموت ما قرت بها عين ، كلما تزوجت الدنيا زوجا طلقه الموت ، فمثلها كمثل الحية لين مسها والسم في جوفها .
ثم قال : عند تصحيح الضمائر يغفر الله الكبائر ، وإذا عزم العبد على ترك الآثام أتته من السماء الفتوح ، والدعاء المستجاب الذي تحركه الأحزان .
قلت : فأكون معك يا راهب ؟ قال : ما أصنع بك ، ومعي معطي الأرزاق وقابض الأرواح ، يسوق إلي الرزق في كل وقت ، لم يكلفني جمعه ولم يقدر على ذلك أحد غيره .
اسمع يا خائن الذمم يا مضيع الحرم ، يا من على التوبة عزم زعم ، غير أنه كلما بنى أن يلوذ بنا هدم ، يسعى إلى الهدى فإذا رأى جيفة الهوى جثم ، ويحك إطلاق البصر في سور الحذر ثلم عجبا لأمنك وأنت بين فكي جلم ، كأنك بك تتمنى العدم ، وتبكي على تفريطك بندم ، إلى كم هذا التواني كم كم وكم ، وإياك والدنيا فما تشفي من قرم لمن تحدث لقد نفخنا من غير ضرم .
[ ص: 167 ]
كم أسير لشهوة وقتيل أف لمشتر خلاف الجميل
شهوات الإنسان تورثه الذل وتلقيه في البلاء الطويل
إذا كثرت منك الذنوب فداوها برفع يد في الليل والليل مظلم
ولا تقنطن من رحمة الله إنما قنوطك منها من خطاياك أعظم
فرحمته للمحسنين كرامة ورحمته للمسرفين تكرم