وخذ بيدك ضغثا كان قد حلف ليجلدن زوجته مائة جلدة . قوله تعالى :
وفي سبب هذه اليمين ثلاثة أقوال : أحدها : حديث السخلة الذي سبق ، والثاني : أن إبليس جلس في طريق زوجته كأنه طبيب ، فقالت له : عبد الله ههنا رجل مبتلى ، فهل لك أن تداويه ؟ قال : نعم إني شافيه على أن يقول لي إذا برأ أنت شفيتني ، فجاءت فأخبرته فقال : ذاك الشيطان ، لله علي إن شفاني الله أن أجلدك مائة ، قاله ابن عباس ، والثالث : أن إبليس لقيها فقال : أنا الذي فعلت بزوجك وأنا إله الأرض ، وما أخذته منه فهو بيدي فانطلقي فأريك ، فمشى غير بعيد ثم سحر بصرها فأراها واديا عميقا فيه أهلها ومالها وولدها ، فأتت أيوب ، عليه السلام ، فأخبرته فقال : ذاك الشيطان ، ويحك كيف وعى سمعك قوله والله لئن شفاني الله لأجلدنك مائة ، قاله وهب .
[ ص: 165 ] وأما الضغث فقال ابن قتيبة هو الحزمة من الخلال والعيدان ، قال المفسرون : جزى الله زوجته بحسن صبرها أن أفتاه في ضربها ، فسهل الأمر ، فجمع لها مائة عود وقيل مائة سنبلة ، وقيل كانت أسلا ، وقيل كانت شماريخ ، فضربها ضربة واحدة .
وهل ذلك خاص له أم عام ؟ فيه مذهبان : أحدهما أنه عام ، قاله ابن عباس وعطاء والثاني : خاص له . قاله مجاهد .
وقد اختلف الفقهاء فيمن قال حلف أن يضرب عبده عشرة أسواط فجمعها وضربه بها ضربة واحدة ، مالك لا يبر ، وهو قول أصحابنا . والليث بن سعد :
وقال أبو حنيفة إذا أصابه في الضربة الواحدة كل واحد منها فقد بر واحتجوا بعموم قصة والشافعي أيوب .
قوله تعالى : إنا وجدناه صابرا قال يجاء بالمريض يوم القيامة فيقال ما منعك أن تعبدني ؟ فيقول : يا رب ابتليتني ، فيجاء مجاهد بأيوب في ضره فيقول : أنت كنت أشد ضرا أم هذا ؟ فيقول بل هذا ، فيقول : هذا لم يمنعه ذلك أن عبدني ! .
ما ضر أيوب ما جرى ، كأنه سنة كرى ، ثم شاعت مدائحه بين الورى ، وإنما يصبر من فهم العواقب ودرى .