[ ص: 166 ] 17 - فصل
[ خيبر كغيرهم من أهل الذمة ] تؤخذ الجزية من أهل
وأهل خيبر وغيرهم من اليهود في الذمة والجزية سواء ، لا يعلم نزاع بين الفقهاء في ذلك .
ورأيت لشيخنا في ذلك فصلا نقلته من خطه بلفظه قال : " والكتاب الذي بأيدي الخيابرة الذي يدعون أنه بخط علي في إسقاط الجزية عنهم باطل ، وقد ذكر ذلك الفقهاء من أصحابنا وأصحاب وغيرهم الشافعي كأبي العباس بن شريح والقاضي أبي يعلى والقاضي الماوردي وأبي محمد المقدسي وغيرهم ، وذكر الماوردي أنه إجماع وصدق " .
قال : " هذا الحكم ثابت بالكتاب والسنة والإجماع ، ثابت بالعموم لفظا ومعنى ، وهو عموم منقول بالتواتر لم يخصه أحد من علماء الإسلام ، ولا دليل على شيء أوله الشرع فيمتنع تخصيصه بما لا تعرف صحته ولا وجد أيضا في الشريعة للمخصص ، فإن الواحد من المسلمين مثل أبي بردة [ ص: 167 ] بن دينار وسالم أبي حذيفة إنما خص بحكم لقيام معنى اختص به ، وليس كذلك اليهود وأعقابهم ، بل الخيابرة قد صدر منهم محاربة الله ورسوله وفي قتال علي لهم ما يكونون به أحق بالإهانة ، فأما الإكرام وترك الجهاد إلى الغاية التي أمر الله بها في أهل دينهم فلا وجه له .
وأيضا فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يضرب جزية راتبة على من حاربه من اليهود ، لا بني قينقاع ولا النضير ولا قريظة ولا خيبر ، بل نفى بني قينقاع إلى أذرعات ، وأجلى النضير إلى خيبر ، وقتل قريظة وقاتل أهل خيبر ، فأقرهم فلاحين ما شاء الله وأمر بإخراج اليهود والنصارى من [ ص: 168 ] جزيرة العرب ، لكن لما بعث معاذا إلى اليمن أمره أن يأخذ من كل حالم دينارا أو عدله معافر .
قلت : ومقصود شيخنا : أن أهل خيبر وغيرهم من اليهود كانوا في حكمه سواء ، فلم يأخذ الجزية من غيرهم حتى أسقطها عنهم ، فإن الجزية إنما نزلت فريضتها بعد فراغه من اليهود وحربهم ، فإنها نزلت في سورة " براءة " عام حجة رضي الله عنه سنة تسع ، وقتاله لأهل الصديق خيبر كان في السنة السابعة وكانت خيبر بعد صلح الحديبية جعلها الله سبحانه شكرانا لأهل الحديبية وصبرهم ، كما جعل فتح قريظة بعد الخندق شكرانا وجبرا لما حصل للمسلمين في تلك الغزوة ، وكما جعل النضير بعد أحد كذلك وجعل قينقاع بعد بدر ، وكل واقعة من وقائع رسول الله [ ص: 169 ] - صلى الله عليه وسلم - بأعداء الله اليهود كانت بعد غزوة من غزوات الكفار ، ولم تكن الجزية نزلت بعد فلما نزلت أخذها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من نصارى نجران ، وهم أول من أخذت منهم الجزية كما تبين ، وبعث معاذ فأخذها من يهود اليمن .