[ وأهل الذمة المأمون ]
وأما فقال المأمون عمرو بن عبد الله الشيباني : استحضرني في بعض لياليه ونحن المأمون بمصر ، فقال لي : قد كثرت سعايات النصارى ، وتظلم المسلمون منهم وخانوا السلطان في ماله ، ثم قال : يا عمرو تعرف من أين [ ص: 466 ] أصل هؤلاء القبط ؟ فقلت : هم بقية الفراعنة الذين كانوا بمصر ، وقد نهى أمير المؤمنين رضي الله عنه عن عمر بن الخطاب ، فقال : صف لي كيف كان تناسلهم في استخدامهم مصر ، فقلت : يا أمير المؤمنين لما أخذت الفرس الملك من أيدي الفراعنة قتلوا القبط ، فلم يبق منهم إلا من اصطنعته يد الهرب واختفى " بأنصنا " وغيرها ، فتعلموا طبا وكتابا ، فلما ملكت الروم ملك الفرس كانوا سببا في إخراج الفرس عن ملكهم ، وأقاموا في مملكة الروم إلى أن ظهرت دعوة المسيح .
وفيهم يقول من قصيدة له يمدح بها خالد بن صفوان رضي الله عنه ويحثه على قتلهم ويغريه بهم . عمرو بن العاص
يا عمرو قد ملكت يمينك مصرنا وبسطت فيها العدل والإقساطا فاقتل بسيفك من تعدى طوره
واجعل فتوح سيوفك الأقباطا فبهم أقيم الجور في جنباتها
ورأى الأنام البغي والإفراطا عبدوا الصليب وثلثوا معبودهم
وتوازروا وتعدوا الأشراطا
وبقي في نفس منهم ، فلما عاد إلى المأمون بغداد اتفق لهم مجاهرة في بغداد بالبغي والفساد على معلمه ، فلما قرأ عليه [ ص: 467 ] علي بن حمزة الكسائي ووصل إلى قوله تعالى : المأمون ياأيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم ، قال : يا أمير المؤمنين أتقرأ كتاب الله ولا تعمل به ؟ فأمر الكسائي بإحضار الذمة ، فكان عدة من صرف وسجن ألفين وثمان مائة ، وبقي جماعة من المأمون اليهود منحازين إلى حماية بعض جهاته ، فخرج توقيعه بما نسخته : " أخبث الأمم اليهود ، وأخبث اليهود السامرة ، وأخبث السامرة بنو فلان ، فليقطع ما بأسمائهم من ديوان الجيش والخراج إن شاء الله تعالى " .
ودخل بعض الشعراء على وفي مجلسه يهودي جالس فأنشده : المأمون
يابن الذي طاعته في الورى وحكمه مفترض واجب
إن الذي عظمت من أجله يزعم هذا أنه كاذب