44 - أنا علي بن يحيى بن جعفر الإمام ، نا نا سليمان بن أحمد الطبراني ، محمد بن المعافى بن أبي حنظلة البيروتي ، نا زكريا بن يحيى الوقار ، قال : قرئ على وأنا أسمع ، قال عبد الله بن وهب قال الثوري : مجالد : قال أبو الوداك : قال قال أبو سعيد الخدري : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : عمر بن الخطاب : موسى عليه السلام : يا رب أرني الذي كنت أرى في السفينة . فأوحى الله إليه يا موسى إنك ستراه . فلم يلبث موسى إلا يسيرا حتى أتاه [ ص: 95 ] الخضر ، وهو فتى طيب الريح ، حسن بياض الثياب ، فقال : السلام عليك يا موسى بن عمران ، إن ربك يقرأ عليك السلام ورحمة الله ، قال موسى : هو السلام ، ومنه السلام ، وإليه السلام ، والحمد لله رب العالمين الذي لا أحصي نعمه ، ولا أقدر على أداء شكره إلا بمعونته . ثم قال موسى : أريد أن توصيني بوصية ينفعني الله بها ، فقال الخضر : يا طالب العلم ، إن القائل أقل ملالة من المستمع ، فلا تمل جلساءك إذا حدثتهم ، واعلم أن قلبك وعاء ، فانظر ماذا تحشو به وعاءك . واعزف نفسك عن الدنيا ، وانبذها وراءك ، فإنها ليست لك بدار ، ولا لك فيها محل قرار ، فإنها إنما جعلت بلغة للعباد ، ليتزودوا منها للمعاد . يا موسى وطن نفسك على الصمت تلق الحكم ، وأشعر قلبك التقوى تنل العلم ، ورض نفسك على الصبر تخلص من الإثم . يا موسى تفرغ للعلم ، إن كنت تريده ، فإنما العلم لمن تفرغ له ، ولا تكونن مكثار المنطق مهذارا ، فإن كثرة المنطق تشين العلماء ، وتبدي مساوئ السخفاء . ولكن عليك بالاقتصاد ، فإن ذلك من التوفيق والسداد ، وأعرض عن الجهال ، واحلم عن السفهاء ، فإن ذلك فعل الحكماء وزين العلماء . إذا شتمك الجاهل فاسكت عنه حلما ، وجانبه حزما ، فإن ما بقي من جهله عليك وشتمه إياك أكثر وأعظم . يا ابن عمران ، لا ترى أنك أوتيت من العلم إلا قليلا ، فإن التعسف من الاقتحام والتكلف . يا ابن عمران ، لا تفتحن بابا لا تدري ما غلقه ، ولا تغلقن بابا لا تدري ما مفتاحه . يا ابن عمران ، من لا تنتهي من الدنيا نهمته ، ولا تنقضي [ ص: 96 ] منها رغبته ، كيف يكون عابدا ؟ من يحقر حاله ، ويتهم الله بما قضى له ، كيف يكون زاهدا ؟ هل يكف عن الشهوات من قد غلب عليه هواه ، أو ينفعه طلب العلم والجهل قد حواه ؟ لأن سفرته إلى آخرته ، وهو مقبل على دنياه . يا موسى ، تعلم ما تعلمت لتعمل به ، ولا تعلمه لتحدث به ، فيكون عليك بوره ، ويكون لغيرك نوره . يا موسى بن عمران ، اجعل الزهد والتقوى لباسك ، والعلم والذكر كلامك ، واستكثر من الحسنات فإنك مصيب السيئات ، وزعزع بالخوف قلبك ، فإن ذلك يرضي ربك ، واعمل خيرا ، فإنك لا بد عامل شرا . وقد وعظت إن حفظت ، ثم تولى الخضر وبقي موسى حزينا مكروبا " . " قال أخي