ولحسان بن ثابت مع خبر طريف يومئذ - وكان صفية بنت عبد المطلب حسان قد تخلف عن الخروج مع الخوالف بالمدينة - ذكره وطائفة من أهل السير، وقد أنكره منهم آخرون، فقالوا لو كان في ابن إسحاق حسان من الجبن ما وصفتم لهجاه بذلك من كان يهاجيه في الجاهلية والإسلام، ولهجي بذلك ابنه فإنه كان كثيرا ما يهاجي الناس من شعراء العرب مثل عبد الرحمن، وغيره. النجاشي
وأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم نعيم بن مسعود بن عامر الأشجعي ، فقال: يا رسول الله إني قد أسلمت، ولم يعلم قومي بإسلامي، فمرني بما شئت، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنما أنت [ ص: 176 ] رجل واحد من غطفان، فلو خرجت فخذلت عنا كان أحب إلينا من بقائك فاخرج فإن الحرب خدعة. فخرج نعيم بن مسعود حتى أتى بني قريظة - وكان ينادمهم في الجاهلية - فقال: يا بني قريظة قد عرفتم ودي إياكم وخاصة ما بيني وبينكم، قالوا: قل، فلست عندنا بمتهم، فقال لهم: إن قريشا وغطفان ليسوا كأنتم، البلد بلدكم، وفيه أموالكم وأبناؤكم ونساؤكم، وإن قريشا وغطفان قد جاؤوا لحرب محمد وأصحابه وقد ظاهرتموهم عليه، فإن رأوا نهزة أصابوا وإن كان غير ذلك لحقوا ببلادهم وخلوا بينكم وبين الرجل، ولا طاقة لكم به، فلا تقاتلوا مع القوم حتى تأخذوا منهم رهنا. ثم خرج حتى أتى قريشا، فقال لهم: قد عرفتم ودي لكم معشر قريش وفراقي محمدا وقد بلغني أمر أرى من الحق أن أبلغكموه نصحا لكم، فاكتموا علي، قالوا: نفعل. قال: أتعلمون أن معشر يهود قد ندموا على ما كان من خلافهم محمدا وأرسلوا إليه إنا قد ندمنا على ما فعلنا، فهل يرضيك أن نأخذ من قريش وغطفان رهنا رجالا ونسلمهم إليكم لتضربوا أعناقهم، ثم نكون معكم على من بقي منهم حتى تستأصلهم. ثم أتى غطفان، فقال مثل ذلك. فلما كانت ليلة السبت وكان ذلك من صنع الله عز وجل لرسوله وللمؤمنين أرسل إلى أبو سفيان بني قريظة في نفر من عكرمة بن أبي جهل قريش وغطفان يقول لهم: إنا لسنا بدار مقام، قد هلك الخف والحافر فاغدوا صبيحة غد للقتال حتى نفاجئ محمدا. فأرسلوا إليهم إن اليوم يوم السبت، وقد علمتم ما نال من تعدى في السبت، ومع ذلك فلا نقاتل معكم أحدا حتى تعطونا رهنا. فلما رجع الرسول بذاك قالوا: صدقنا والله نعيم بن مسعود . فردوا إليهم الرسل، وقالوا: والله لا نعطيكم رهنا أبدا، فاخرجوا معنا إن شئتم، وإلا فلا عهد بيننا وبينكم، فقال بنو قريظة : صدق والله نعيم بن مسعود . وخذل بينهم واختلفت كلمتهم وبعث الله عليهم ريحا عاصفا في ليال [ ص: 177 ] شديدة البرد، فجعلت الريح تقلب أبنيتهم، وتكفأ قدورهم.
فلما اتصل برسول الله صلى الله عليه وسلم اختلاف أمرهم بعث ليأتيه بخبرهم، فأتاهم واستتر في غمارهم، وسمع حذيفة بن اليمان يقول: يا معشر أبا سفيان قريش ليتعرف كل امرئ منكم جليسه. قال : فأخذت بيد جليسي وقلت: من أنت؟ فقال: أنا فلان. ثم قال حذيفة يا معشر أبو سفيان: قريش إنكم والله ما أصبحتم بدار مقام، ولقد هلك الكراع والخف وأخلفتنا بنو قريظة ولقينا من هذه الريح ما ترون، ما يستمسك لنا بناء ولا تثبت لنا قدر ولا تقوم [ لنا ] نار، فارتحلوا، فإني مرتحل. ووثب على جمله، فما حل عقال يده إلا وهو قائم. قال : ولولا عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلي إذ بعثني، وقال لي: مر إلى القوم فاعلم ما هم عليه ولا تحدث شيئا لقتلته بسهم. ثم أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم عند رحيلهم فوجدته قائما يصلي، فأخبرته، فحمد الله. حذيفة
ولما أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد ذهب الأحزاب رجع إلى المدينة ووضع المسلمون سلاحهم، فأتاه جبريل - صلى الله عليه وسلم - في صورة دحية بن خليفة الكلبي على بغلة عليها قطيفة ديباج فقال له: يا محمد إن كنتم قد وضعتم سلاحكم فما وضعت الملائكة سلاحها، إن الله يأمرك أن تخرج إلى بني قريظة وإني متقدم إليهم فمزلزل بهم.
فأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مناديا ينادي في الناس: لا يصلين أحدكم العصر إلا في بني قريظة . وكان سعد بن معاذ إذ أصابه السهم دعا ربه، فقال: اللهم إن كنت أبقيت من حرب قريش شيئا فأبقني لها، فإنه لا قوم أحب [ إلي ] أن أجاهدهم من قوم كذبوا رسولك وأخرجوه، اللهم إن كنت وضعت الحرب بيننا وبينهم فاجعلها لي شهادة ولا تمتني حتى تقر عيني من بني قريظة [ ص: 178 ] .