343 - وقال : الشعبي يسألونك . [ ص: 420 ] قال الشيخ : فالعجب يا إخواني رحمكم الله لقوم حيارى تاهت عقولهم عن طرقات الهدى ، فذهبت تند محاضره في أودية الردى ، تركوا ما قدمه الله عز وجل في وحيه وافترضه على خلقه ، وتعبدهم بطلبه وأمرهم بالنظر والعمل به ، وأقبلوا على ما لم يجدوه في كتاب ناطق ولا تقدمهم فيه سلف سابق ، فشغلوا به وفرغوا له آراءهم وجعلوه دينا يدعون إليه ويعادون من خالفهم عليه ، أما علم الزائغون مفاتيح أبواب الكفر ومعالم أسباب الشرك ، التكلف لما لم تحط الخلائق به علما به ، ولم يأت القرآن بتأويله ولا أباحت السنة النظر فيه ، فتزيد الناقص الحقير والأحمق الصغير بقوته الضعيفة ، وعقله القصير ، أن يهجم على سر الله المحجوب ، ويتناول علمه بالغيوب يريدها لنفسه وطوى عليها علمها دون خلقه ، فلم يحيطوا من علمها إلا بما شاء ، ولا يعلمون منها إلا ما يريد ، فكلما لم ينزل الوحي بذكره ولم تأت السنة بشرحه من مكنون علم الله ومخزون غيبه وخفي أقداره فليس للعباد أن يتكلفوا من علمه ما لا يعلمون ، ولا يتحملوا من نقله ما لا يطيقون ، فإنه لن يعدوا رجل كلف ذلك نظره وقلب فيه فكره أن يكون كالناظرين في عين الشمس ليعرف قدرها ، أو كالمرتمي في ظلمات البحور ليدرك قعرها ، فليس يزداد على المضي في ذلك إلا بعدا ، ولا على دوام النظر في ذلك إلا تحيرا ، فليقبل المؤمن العاقل ما يعود عليه نفعه ، ويترك إشغال نظره وإعمال فكره في محاولة الإحاطة بما لم يكلفه ، ومرام الظفر بما لم يطوقه ، فيسلك سبيل العافية ، ويأخذ بالمندوحة الواسعة ويلزم الحجة الواضحة والجادة السابلة والطريق الآنسة ، فمن خالف ذلك وتجاوزه إلى الغمط بما أمر به والمخالفة إلى ما ينهى عنه ، يقع والله في بحور المنازعة وأمواج المجادلة ويفتح على نفسه أبواب الكفر بربه والمخالفة لأمره والتعدي لحدوده ، والعجب لمن خلق من نطفة من ماء مهين فإذا هو خصيم مبين ، كيف لا يفكر في عجزه [ ص: 421 ] عن معرفة خلقه ، أما يعلمون أن الله عز وجل قد أخذ عليكم ميثاق الكتاب أن لا تقولوا على الله إلا الحق فسبحان الله أنى تؤفكون . لو أدرك هؤلاء الأرائيون النبي صلى الله عليه وسلم لنزل القرآن كله يسألونك