المسألة الثانية
[1] اتفق الفقهاء والأصوليون قاطبة على أن ، خلافا المباح غير مأمور به للكعبي [2] وأتباعه من المعتزلة في قولهم : إنه لا مباح في الشرع بل كل فعل يفرض فهو واجب مأمور به .
احتج من قال : إنه غير مأمور به ، أن الأمر طلب يستلزم ترجيح الفعل على الترك ، وهو غير متصور في المباح ; لما سبق في تحديده ، ولأن الأمة مجمعة على انقسام الأحكام إلى وجوب وندب وإباحة وغير ذلك . فمنكر المباح يكون خارقا للإجماع .
وحجة الكعبي أنه ما من فعل يوصف بكونه مباحا إلا ويتحقق بالتلبس به ترك حرام ما ، وترك الحرام واجب ولا يتم تركه دون التلبس بضد من أضداده ، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب لما سبق .
ثم اعتذر عن الإجماع المحتج به بأن قال : يجب حمله على ذات الفعل مع قطع النظر عن تعلق الأمر به لسبب توقف ترك الحرام عليه ، فإنه إذ ذاك لا يكون مأمورا به ضرورة الجمع بين الأدلة بأقصى الإمكان [3] ، وقد اعترض عليه من لا [ ص: 125 ] يعلم عور كلامه بأنه وإن كان ترك الحرام واجبا فالمباح ليس هو نفس ترك الحرام ، بل شيء يترك به الحرام مع إمكان تحقق ترك الحرام بغيره ، فلا يلزم أن يكون واجبا . وهو غير سديد ، فإنه إذا ثبت أن ترك الحرام واجب ، وأنه لا يتم بدون التلبس بضد من أضداده .
وقد تقرر أن ما لا يتم الواجب دونه فهو واجب ، فالتلبس بضد من أضداده واجب ، غايته أن الواجب من الأضداد غير معين قبل تعيين المكلف له ، ولكن لا خلاف في وجوبه بعد التعيين ، ولا خلاص عنه إلا بمنع وجوب ما لا يتم الواجب إلا به ، وفيه خرق القاعدة الممهدة على أصول الأصحاب .
وغاية ما ألزم عليه أنه لو كان الأمر على ما ذكرت لكان المندوب بل المحرم إذا ترك به محرم آخر أن يكون واجبا ، وكان يجب أن تكون الصلاة حراما على هذه القاعدة عند ما إذا ترك بها واجبا آخر ، وهو محال ، فكان جوابه أنه لا مانع من الحكم على الفعل الواحد بالوجوب والتحريم ، بالنظر إلى جهتين مختلفتين كما في الصلاة في الدار المغصوبة ونحوه .
وبالجملة وإن استبعده من استبعده فهو في غاية الغموض والإشكال ، وعسى أن يكون عند غيري حله .