المسألة الثالثة
[1] مذهب أن الشافعي خلافا المحرم بوصفه مضاد لوجوب أصله لأبي حنيفة .
وصورة المسألة ما إذا أوجب الصوم وحرم إيقاعه في يوم العيد ، وعلى هذا النحو فالشافعي اعتقد أن المحرم هو الصوم الواقع وألحقه بالمحرم باعتبار أصله ، فكان تحريمه مضادا لوجوبه ، وأبو حنيفة اعتقد أن المحرم نفس الوقوع لا الواقع ، وهما غيران فلا تضاد إلحاقا له بالمحرم باعتبار غيره ، وحيث قضي بتحريم صلاة المحدث وبطلانها إنما كان لفوات شرطها من الطهارة لا للنهي عن إيقاعها مع الحدث ، بخلاف الطواف حيث لم يقم الدليل عنده على اشتراط الطهارة فيه .
وبالجملة فالمسألة اجتهادية ظنية ، لا حظ لها من اليقين ، وإن كان الأشبه إنما هو مذهب من حيث إن اللغوي لا يفرق عند سماعه لقول القائل : " حرمت عليك الصوم في هذا اليوم " مع كونه موجبا لتحريم الصوم ، وبين قوله : حرمت عليك إيقاع الصوم في هذا اليوم . من جهة أنه لا معنى لإيقاع الصوم في اليوم سوى فعل الصوم في اليوم ، فإذا كان فعل الصوم فيه محرما كان ذلك مضادا لوجوبه لا محالة . الشافعي
[ ص: 119 ] فإن قيل : لو كان تحريم إيقاع الفعل في الوقت تحريما للفعل الواقع لزم أن يكون تحريم إيقاع الطلاق في زمن الحيض تحريما لنفس الطلاق ، ولو كان الطلاق نفسه محرما لما كان معتبرا ، وكذلك وقوع الصلوات في الأوقات والأماكن المنهي عن إيقاعها فيها .
قلنا : أما الطلاق في زمن الحيض إنما قضى بصحته لظهور صرف التحريم عنده عن أصل الطلاق وصفته ، إلى أمر خارج ، وهو ما يفضي إليه من تطويل العدة لدليل دل عليه . الشافعي
وأما الصلوات في الأوقات والأماكن المنهي عنها فقد منع بعض أصحابنا صحتها في الأوقات دون الأماكن ، ومن عمم اعتقد صرف النهي فيها عن أصل الفعل وصفته إلى أمر خارج لدليل دل عليه أيضا ، بخلاف ما نحن فيه حتى لو قام الدليل فيه على ترك الظاهر لترك .