[ ص: 134 ] المسألة الثالثة
اتفق الجمهور على جواز كقوله : " صوموا أبدا " خلافا لشذوذ من الأصوليين . نسخ حكم الخطاب إذا كان بلفظ التأبيد
ودليل جوازه أن الخطاب إذا كان بلفظ التأبيد غايته أن يكون دالا على ثبوت الحكم في جميع الأزمان بعمومه ، ولا يمتنع مع ذلك أن يكون المخاطب مريدا لثبوت الحكم في بعض الأزمان دون البعض ، كما في الألفاظ العامة لجميع الأشخاص .
وإذا لم يكن ذلك ممتنعا فلا يمتنع ورود الناسخ المعرف لإرادة المخاطب لذلك .
ولو فرضنا ذلك لما لزم عنه المحال وكان جائزا .
فإن قيل : لفظ التأبيد جار مجرى التنصيص على كل وقت من أوقات الزمان بخصوصه ، والتنصيص على وجوب الفعل في الوقت المعين بخصوص لا يجوز نسخه فكذلك هذا .
وأيضا ، لو أمرنا بالعبادة بلفظ يقتضي الاستمرار ، جاز النسخ ، فلو جاز ذلك مع التقييد بلفظ التأبيد لم يكن للتقييد معنى .
وأيضا ، فإنه لو جاز نسخ ما ورد بلفظ التأبيد لما بقي لنا طريق إلى العلم بدوام العبادة في زمان إرادة التكليف .
وأيضا ، فإن المخاطب إذا أخبر بلفظ التأبيد لم يجز نسخه ، فكذلك في غير الخبر .
والجواب عن الأول : لا نسلم أن لفظ التأبيد ينزل منزلة التنصيص على كل وقت بعينه ، بل هو في العرف قد يطلق للمبالغة ، كما في قول القائل : لازم فلانا أبدا ، وفلان أبدا يكرم الضيف ، وأدام الله ملك الأمير أبدا .
وإن سلمنا أنه ينزل منزلة التنصيص على الأوقات المعينة ، فعندنا لا يمتنع نسخ حكم الخطاب ، إذا كان مقيدا بوقت معين ، كما إذا قال : " صل وقت زوال الشمس ركعتين " فإنه يجوز نسخه بعد دخول الوقت وقبله على ما عرف من أصلنا .
وعن الثاني أن فائدة التأبيد تأكيد الاستمرار ، فإذا ورد النسخ ، كانت فائدته تأكيد المبالغة في الاستمرار لا نفس الاستمرار .
ثم يلزمهم على ما ذكروه [ ص: 135 ] ما إذا أتى بلفظ عام ، كما لو قال : " كل من دخل داري فأكرمه " فإنه يجوز تخصيصه مع تأكيده بكل وجميع ، فما هو جوابهم في التخصيص فهو جواب لنا في النسخ .
عن الثالث : أن ما ذكروه إنما يصح أن لو كان لفظ التأبيد يفيد العلم ، ولا طريق يفيد سواه ، والأمران ممنوعان :
أما الأول : فلما سبق ، وأما الثاني فلجواز أن يخلق الله تعالى العلم الضروري بذلك ، أو بما يقترن باللفظ من القرائن المفيدة لليقين ، كما في القرائن المقترنة بخبر التواتر ، ثم ما ذكروه لازم عليهم في تخصيص العام المؤكد ، فإنه جائز مع توجه ما ذكروه في النسخ بعينه عليه .
والجواب أن ذلك يكون متحدا .
وعن الرابع : بمنع ذلك في الخبر أيضا .