[ ص: 92 ] المسألة الثالثة
اختلفوا في كما في قوله تعالى : ( الخطاب إذا قيد الحكم بغاية ثم أتموا الصيام إلى الليل ) ، وقوله تعالى : ( ولا تقربوهن حتى يطهرن ) ، وقوله : ( فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره ) ، وقوله : ( حتى يعطوا الجزية ) فذهب أكثر الفقهاء وجماعة من المتكلمين ، كالقاضي أبي بكر ، ، والقاضي عبد الجبار وأبي الحسين البصري ، وغيرهم ( إلى ) أن ذلك يدل على نفي الحكم فيما بعد الغاية .
وخالف في ذلك أصحاب أبي حنيفة وجماعة من الفقهاء والمتكلمين وهو المختار ، وذلك لأنه لو دل تقييد الحكم بالغاية المحدودة على نفي الحكم فيما بعد الغاية لم يخل : إما أن يدل عليه بصريح لفظه أو بأنه لو لم يكن دالا على نفي الحكم فيما بعد الغاية لما كان التقييد بالغاية مفيدا ، أو من جهة أخرى ، الأول محال لأن اللفظ بصريحه لم يدل على نفي الحكم بعد الغاية ، والثاني إنما يلزم أن لو لم يكن للتقييد فائدة سوى ما ذكروه ، وليس كذلك بل جاز أن تكون فائدة التقييد تعريف بقاء ما بعد الغاية على ما كان قبل الخطاب أي متعرض فيه لإثبات الحكم ولا نفيه .
وإن كان الثالث فالأصل عدمه وعلى مدعيه بيانه .
وأيضا فإنه لا مانع من ورود الخطاب فيما بعد الغاية بمثل الحكم السابق قبل الغاية بالإجماع .
وعند ذلك إما أن يكون تقييد الحكم بالغاية نافيا للحكم فيما بعدها ، أو لا يكون ، والأول يلزم منه إثبات الحكم مع تحقق ما ينفيه ، وهو خلاف الأصل .
وإن كان الثاني فهو المطلوب .
فإن قيل : ما ذكرتموه معارض بما يدل على نقيضه ، وبيانه أن كلمة ( حتى ) و ( إلى ) لانتهاء الغاية ، وهي جارية مجرى قوله : " صوموا صوما آخره الليل " ولو قال ذلك لمنع من وجوب الصوم بعد مجيء [ ص: 93 ] الليل لأنه لو وجب الصوم بعد ذلك لصارت الغاية وسطا وهو محال .
ولهذا فإنه لو قال القائل لعبده : " لا تعط زيدا درهما حتى يقوم ، واضرب عمرا حتى يتوب " فإنه لا يحسن الاستفهام بعد ذلك ، وأن يقال : " فهل أعطيه إذا قام ؟ ، وهل أضربه إذا تاب ؟ " ولولا أن التقييد بالغاية يدل على عدم الحكم بعدها لما كان كذلك .
قلنا لا ننكر أن ( حتى ) و ( إلى ) لانتهاء الغاية وأنها جارية مجرى قوله : " صوموا صياما آخره الليل " غير أن الخلاف إنما هو في أن تقييد الحكم بالغاية هل يدل على نفي الحكم فيما بعد الغاية ، وذلك غير لازم من التقييد بالغاية ، بل غايته أن دلالة التقييد بالغاية على أن ما بعدها غير متعرض فيه بالخطاب الأول لا بنفي ولا إثبات ، ولا يلزم من وجود صوم بعد الغاية أن تصير الغاية وسطا ، بل هي غاية للصوم المأمور به أولا ، وإنما تصير وسطا أن لو كان الصوم فيما بعد الغاية مستندا إلى الخطاب الذي قبل الغاية وليس كذلك .
وأما أنه لا يحسن الاستفهام عند قوله : " لا تعط زيدا درهما حتى يقوم ، واضرب عمرا حتى يتوب " لأن ما بعد الغاية مسكوت عنه غير متعرض له بنفي ولا إثبات فلا يحسن الاستفهام فيما لا دلالة للفظ عليه كما قبل الأمر بالإعطاء والضرب .