المسألة الثامنة
إذا . قال ورد لفظ عام بعبادة أو غيرها ، قبل دخول وقت العمل به : يجب اعتقاد عمومه جزما قبل ظهور المخصص ، وإذا ظهر المخصص تغير ذلك الاعتقاد ، وهو خطأ : فإن احتمال إرادة الخصوص به قائم ، ولهذا ، لو ظهر المخصص لما كان ذلك ممتنعا ، ووجب اعتقاد الخصوص . أبو بكر الصيرفي
وما هذا شأنه فاعتقاد عمومه جزما قبل الاستقصاء في البحث عن مخصصه وعدم الظفر به على وجه تركن النفس إلى عدمه ، يكون ممتنعا ، فإذا لا بد في الجزم باعتقاد عمومه من اعتقاد انتفاء مخصصه بطريقه ، ومع ذلك لا نعرف خلافا بين الأصوليين في امتناع العمل بموجب اللفظ العام قبل البحث عن المخصص ، وعدم الظفر به ، لكن اختلفوا :
فذهب القاضي أبو بكر وجماعة من الأصوليين إلى امتناع العمل به واعتقاد [ ص: 51 ] عمومه إلا بعد القطع بانتفاء المخصص ، وإلا فالجزم بعمومه والعمل به مع احتمال وجود المعارض ممتنع .
قال : ومعرفة انتفاء المخصص بطريق القطع ممكن ، وذلك بأن تكون المسألة المتمسك بالعموم فيها مما كثر الخلاف فيها بين العلماء ، وطال النزاع فيما بينهم فيها ، ولم يطلع أحد منهم على موجب للتخصيص ، مع كثرة بحثهم واستقصائهم .
ولو كان ثم شيء لاستحال أن لا يعرف عادة ، ولأنه لو كان المراد بالعموم الخصوص لاستحال أن لا ينصب الله تعالى عليه دليلا ، ويبلغه للمكلفين .
وذهب ابن سريج وإمام الحرمين وأكثر الأصوليين إلى امتناع اشتراط القطع في ذلك وهو المختار . والغزالي
وذلك لأنه لا طريق إلى معرفة ذلك بغير البحث والسبر ، وهو غير يقيني ، والقول بأنه لو كان ثم مخصص لاطلع عليه العلماء غير يقيني لجواز وجوده مع عدم اطلاع أحد من العلماء عليه ، [1] وبتقدير اطلاع بعضهم عليه ، فنقله له أيضا غير قاطع ، بل غايته أن يكون ظنيا .
كيف وإنه ليس كل ما ورد فيه العام مما كثر خوض العلماء فيه وبحثهم عنه ليصح ما قيل .
والقول بأنه لو كان المراد بالعام الخصوص لنصب الله تعالى عليه دليلا ، غير مسلم .
[2] وبتقدير نصبه للدليل ، لا نسلم لزوم اطلاع المكلفين عليه .
وبتقدير ذلك لا نسلم لزوم نقلهم له [3] وإذا لم يكن إلى القطع بذلك طريق فلو شرط ذلك في العمل بالعموم لتعطلت العمومات بأسرها ، وإذا عرف أنه لا بد من الظن بانتفاء المخصص ، فالحد الذي يجب العمل بالعموم عنده أن يبحث عن المخصص بحثا غلب على ظنه عدمه وأنه لو بحث عنه ثانيا وثالثا كان بحثه غير مفيد .
وعلى هذا يكون الكلام في العمل بكل دليل مع معارضه .