المسألة الثامنة
قال إذا ورد لفظ الشارع وله مسمى لغوي ، ومسمى شرعي عند المعترف بالأسماء الشرعية القاضي أبو بكر تفريعا على القول بالأسماء الشرعية : إنه مجمل .
وقال بعض أصحابنا وأصحاب أبي حنيفة : إنه محمول على المسمى الشرعي .
وفصل وقال : ما ورد في الإثبات ، فهو للحكم الشرعي ، وما ورد في النهي فهو مجمل ، ومثال ذلك في طرف الإثبات قوله - صلى الله عليه وسلم - حين دخل على الغزالي عائشة فقال لها : " " أعندك شيء ؟ فقالت : لا ، قال : إني إذا أصوم [1] فهو إن حمل على الصوم الشرعي دل على صحة الصوم بنية من النهار بخلاف حمله على الصوم اللغوي ، ومثاله في طرف النهي نهيه - عليه السلام - عن صوم يوم النحر ، [2] فإنه إن حمل على الصوم الشرعي دل على تصور وقوعه لاستحالة النهي عما لا تصور لوقوعه ، بخلاف ما إذا حمل على الصوم اللغوي .
والمختار ظهوره في المسمى الشرعي في طرف الإثبات ، وظهوره في المسمى اللغوي في طرف الترك .
[3] [ ص: 24 ] أما الأول : فبيانه بما تقدم في المسألة التي قبلها ، ويزيد هاهنا وجه آخر في الترجيح ، وهو أن الشارع مهما ثبت له عرف وإن كانت مناطقته لنا بالأمور اللغوية غالبا ، غير أن مناطقته لنا بعرفه في موضع له فيه عرف أغلب .
وأما إذا ورد في طرف الترك ، كقوله - صلى الله عليه وسلم - " دعي الصلاة أيام أقرائك [4] وكنهيه عن بيع الحر والخمر وحبل الحبلة والملاقيح والمضامين ، فإنه لو كان اللفظ ظاهرا في الصلاة الشرعية والبيع الشرعي ، لزم أن يكون ذلك متصورا لاستحالة النهي عما لا تصور له ، وهو خلاف الإجماع ، وأن يكون الشارع [5] قد نهى عن التصرف الشرعي ، وذلك ممتنع لما فيه من إهمال المصلحة المعتبرة المرعية في التصرف الشرعي [6] أو أن يقال مع ظهوره في المسمى الشرعي بتأويله وصرفه إلى المسمى اللغوي ، وهو على خلاف الأصل ، ولا يلزم من اطراد عرف الشرع في هذه المسميات في طرف الإثبات ، مثله في طرف النهي أو النفي .
وعلى ما حققناه من تقديم عرف الشرع في خطابه ، على وضع اللغة ، فيقدم ما اشتهر من المجاز الذي صار لا يفهم من اللفظ غيره على الوضع الأصلي الحقيقي ، وسواء كان ذلك التجوز بطريق نفي الكلام من محل الحقيقة إلى ما هو خارج عنه كلفظ الغائط ، أو بطريق تخصيصه ببعض مسمياته في الحقيقة ، كلفظ الدابة لأن العرف الطارئ غالب للوضع الأصلي ولا إجمال فيه .