[ ص: 14 ] المسألة الثانية .
ذهب بعض الحنفية إلى أن وامسحوا برءوسكم ) مجمل ؛ لأنه يحتمل مسح جميع الرأس ويحتمل مسح بعضه ، وليس أحدهما أولى من الآخر ، فكان مجملا . قوله تعالى (
قالوا : وما روي عنه - صلى الله عليه وسلم - ، فهو بيان لمجمل الآية . أنه مسح بناصيته
واتفق النافون على نفي الإجمال ، لكن منهم من قال إنه بحكم وضع اللغة ظاهر في مسح جميع الرأس ، وهو مذهب مالك والقاضي عبد الجبار مصيرا منهم إلى أن ( الباء ) في اللغة أصل في الإلصاق ، كما سبق تعريفه ، وقد دخلت على المسح وقرنته بالرأس ، واسم الرأس حقيقة في كله لا بعضه ، ولهذا ، ولا يقال لبعض الرأس رأس ، فكان ذلك مقتضيا لمسح جميعه لغة . وابن جني
وهذا وإن كان هو الحق بالنظر إلى أصل وضع اللغة ، غير أن عرف استعمال أهل اللغة الطارئ على الوضع الأصلي حاكم عليه ، والعرف من أهل اللغة في اطراد الاعتياد جابر باقتضاء إلصاق المسح باللمس فقط مع قطع النظر عن الكل والبعض ؛ ولهذا فإنه إذا قال القائل لغيره امسح يدك بالمنديل لا يفهم من أحد من أهل اللغة أنه أوجب عليه إلصاق يده بجميع المنديل بل إن شاء بكله ، وإن شاء ببعضه .
ولهذا فإنه يخرج عن العهدة بكل واحد منهما .
وكذلك إذا قال : " مسحت يدي بالمنديل " فالسامعون يجوزون أنه مسح بكله وببعضه ، غير فاهمين لزوم وقوع المسح بالكل أو البعض ، بل بالقدر المشترك " بين الكل والبعض . وهو مطلق مسح [1] ويجب أن يكون كذلك نفيا للتجوز والاشتراك في العرف .
وهذا هو مذهب - رضي الله عنه - واختيار الشافعي القاضي عبد الجبار وأبي الحسين البصري .
وعلى كل تقدير فلا وجه للقول بالإجمال . لا بالنظر إلى الوضع اللغوي الأصلي . ولا بالنظر إلى عرف الاستعمال .