[ ص: 249 ] المسألة التاسعة
، وذلك كما في قوله - صلى الله عليه وسلم - : " المقتضى وهو ما أضمر ضرورة صدق المتكلم لا عموم له " فإنه أخبر عن رفع الخطإ والنسيان ، ويتعذر حمله على حقيقته لإفضائه إلى الكذب في كلام الرسول ، ضرورة تحقق الخطأ والنسيان في حق الأمة ، فلا بد من إضمار حكم يمكن نفيه من الأحكام الدنيوية أو الأخروية ، ضرورة صدقه في كلامه . رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه
وإذا كانت أحكام الخطأ والنسيان متعددة فيمتنع إضمار الجميع إذ الإضمار على خلاف الأصل ، والمقصود حاصل بإضمار البعض ، فوجب الاكتفاء به ضرورة تقليل مخالفة الأصل .
فإن قيل : ما ذكرتموه إنما يصح أن لو لم يكن لفظ الرفع دالا على رفع جميع أحكام الخطأ والنسيان ، وليس كذلك ، وبيانه أن قوله : " يدل على رفعهما مستلزما لرفع أحكامها " رفع عن أمتي الخطأ والنسيان [1] .
فإذا تعذر العمل به في نفي الحقيقة تعين العمل به في نفي الأحكام .
سلمنا أنه لا دلالة عليها وضعا ، ولكن لم قلتم بأنه لا يدل عليها بعرف الاستعمال ؟ ولهذا يقال : ليس للبلد سلطان ، وليس له ناظر ولا مدبر ، والمراد به نفي الصفات .
سلمنا أنه لا يدل عليها بعرف الاستعمال غير أن اللفظ دال على رفع الخطأ والنسيان .
فإذا تعذر ذلك وجب إضمار جميع الأحكام لوجهين : الأول : أنه يجعل وجود الخطأ والنسيان كعدمه ، والثاني : أنه لا يخلو إما أن يقال بإضمار الكل أو البعض أو لا بإضمار شيء أصلا .
والقول بعدم الإضمار خلاف الإجماع ، وليس إضمار البعض أولى من البعض ، ضرورة تساوي نسبة اللفظ إلى الكل ، فلم يبق سوى إضمار الجميع .
والجواب عن الأول أن اللفظ إنما يستلزم نفي الأحكام بواسطة نفي حقيقة الخطأ والنسيان ، فإذا لم يكن الخطأ والنسيان منتفيا [2] فلا يكون مستلزما لنفي الأحكام .
[ ص: 250 ] وعن الثاني أن الأصل إنما هو العمل بالوضع الأصلي وعدم العرف الطارئ ، فمن ادعاه يحتاج إلى بيانه .
وما ذكروه من الاستشهاد بالصور فلا نسلم صحة حملها على جميع الصفات ، وإلا لما كان السلطان موجودا ولا عالما ولا قادرا ونحو ذلك من الصفات ، وهو محال .
وعن الثالث قولهم : إضمار جميع الأحكام يكون أقرب إلى المقصود من نفي الحقيقة .
قلنا : إلا أنه يلزم منه تكثير مخالفة الدليل المقتضي للأحكام ، وهو وجود الخطأ والنسيان .
قولهم : ليس إضمار البعض أولى من البعض إنما يصح أن لو قلنا بإضمار حكم معين ، وليس كذلك ، بل بإضمار حكم ما ، والتعيين إلى الشارع .
فإن قيل : فيلزم من ذلك الإجمال في مراد الشارع ، وهو على خلاف الأصل .
قلنا : لو قيل بإضمار الكل لزم منه زيادة الإضمار ، وتكثير مخالفة الدليل كما سبق ، وكل واحد منهما على خلاف الأصل .
ثم ما ذكرناه من الأصول إما أن تكون راجحة على ما ذكروه ، أو مساوية له أو مرجوحة .
فإن كانت راجحة لزم العمل بها .
وإن كانت مساوية فهو كاف لنا في هذا المقام في نفي زيادة الإضمار ، وهما تقديران ، وما ذكروه إنما يمكن التمسك به على تقدير كونه راجحا ، ولا يخفى أن ما يتم التمسك به على تقديرين أرجح مما لا يمكن التمسك به إلا على تقدير واحد .