قولهم : لأنه لا يحسن الجواب إلا بعد
nindex.php?page=treesubj&link=21135الاستفهام .
قلنا : إذا كانت مشتركة وهي استفهامية فالاستفهام إنما هو عن مدلولها ، ومدلولها عند الاستفهام إنما هو أحد المدلولين لا بعينه ، فإذا أجاب بأحد الأمرين فقد أجاب عما سئل عنه ، فلا حاجة بالمسئول إلى الاستفهام .
قولهم : في الشرطية إن المفهوم من قول السيد لعبده من دخل داري فأكرمه العموم لما قرروه .
قلنا : ليس ذلك مفهوما من نفس اللفظ ، بل من قرينة إكرام الزائر حتى أنا لو قدرنا أنه لا أصلا ، ولا تحقق لما سوى اللفظ المذكور ، فإنا لا نسلم فهم العموم منه ولا جواز التعميم دون الاستفهام أو ظهور دليل يدل عليه بناء على قولنا بالوقف .
ويدل على ذلك أنه يحسن الاستفهام من العبد ولو كان على أي صفة قدر ، وحسن ذلك يدل على الترديد ، ولولا الترديد لما حسن الاستفهام .
قولهم : إنه يحسن الاستثناء منه مسلم ، ولكن لا نسلم أنه لا بد من دخول ما استثني تحت المستثنى منه ، فإن الاستثناء من غير الجنس صحيح ، وإن لم يكن المستثنى داخلا تحت المستثنى منه ولا له عليه دلالة
[1] .
ويدل على صحة ذلك قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=157ما لهم به من علم إلا اتباع الظن ) ، والظن داخل تحت لفظ العلم ، وقول الشاعر :
[ ص: 213 ] وقفت فيها أصيلالا أسائلها عيت جوابا وما بالربع من أحد إلا أواري لأيا ما أبينها
والنؤي كالحوض بالمظلومة الجلد
[2]
فإن قيل : نحن إنما ندعي ذلك فيما كان من الجنس لا في غيره .
قلنا : وإذا كان من الجنس فالاستثناء يدل على وجوب دخول ما استثني تحت المستثنى منه ، أو على صلاحيته للدخول تحته ، الأول ممنوع ، والثاني مسلم .
ويدل على ذلك صحة استثناء كل واحد من آحاد الجنس من جموع القلة ، وهي ما يتناول العشرة فما دونها ، وهي أفعل نحو أفلس ، وأفعال نحو أصنام ، وأفعلة نحو أرغفة ، وفعلة نحو صبية ، مع أن آحاد الجنس غير واجبة الدخول تحت المستثنى منه ، والاستثناء من جمع السلامة إذا لم تدخله الألف واللام ، فإنه من جموع القلة بنص
nindex.php?page=showalam&ids=16076سيبويه .
فإن قيل : نحن إنما ندعي ذلك فيما يصح
nindex.php?page=treesubj&link=21135استثناء العدد الكثير والقليل منه ، واستثناء العدد الكثير وهو ما زاد على العشرة لا يصح من جمع القلة .
قلنا : فيلزم عليه
nindex.php?page=treesubj&link=21135استثناء ما زاد على العشرة من الجمع المنكر ، فإنه يصح ، وإن كان كل واحد من المستثنيات غير واجب الدخول تحت الجمع المنكر ، بل ممكن الدخول .
فإن قيل : لو صح الاستثناء لإخراج ما يصح دخوله لا ما يجب دخوله لصح أن يقول القائل : رأيت رجلا إلا زيدا ، لصلاحية دخوله تحت لفظ رجل ، وهو غير صحيح .
وأيضا ، فإن الاستثناء يدخل في الأعداد كقول القائل : له علي عشرة دراهم إلا درهما وهو واجب الدخول .
وأيضا ، فإن أهل اللغة قالوا : بأن الاستثناء إخراج جزء من كل ، والجزء واجب الدخول في كله .
قلنا : أما الأول فلأن قوله : رأيت رجلا لا يكون إلا معينا في نفس الأمر ضرورة وقوع الرؤية عليه ، وإن لم يكن معينا عند المستمع ، والمعين لا يصح الاستثناء منه إجماعا .
وأما الثاني فبعيد عن التحقيق من حيث إن وجوب دخول الواحد في العشرة لا يمنع من صحة دخوله فيها ، بمعنى أنه لا يمتنع دخوله فيها ، وما ليس بممتنع أعم من
[ ص: 214 ] الواجب وعند ذلك ، فلا يلزم أن يكون الاستثناء لوجوب الدخول ، بل لصحة الدخول وهو الجواب عن الوجه الثالث أيضا .
كيف وإن استثناء واجب الدخول لا يمنع من استثناء ممكن الدخول ؟ وعلى ما قررناه في إبطال الاستدلال على عموم ( من ) استفهامية وجزائية يكون بعينه جوابا عما ذكروه من الوجه الأول في عموم ( كل ) و ( جميع ) .
قولهم الوجه الثاني : إنه لو قال : رأيت كل من في البلد يعد كاذبا بتقدير عدم رؤية بعضهم لا نسلم لزوم ذلك مطلقا .
فإنه لو قال القائل : جمع السلطان كل التجار وكل الصناع وجاء كل العسكر ، فإنه لا يعد في العرف كاذبا بتقدير تخلف آحاد الناس .
والعرف بذلك شائع ذائع ، وليس حوالة ذلك على القرينة أولى من حوالة صورة التكذيب على القرينة
[3] .
قولهم في الوجه الثالث : إن قول القائل : كل الناس علماء يكذبه قول الآخر : كل الناس ليس علماء ليس كذلك مطلقا ، فإنه لو فسر كلامه بالغالب عنده كان تفسيره صحيحا مقبولا .
ومهما أمكن حمل كلامه على ذلك فلا تكاذب
[4] .
نعم إنما يصح التكاذب بتقدير ظهور الدليل الدال على إرادة الكل بحيث لا يشذ منهم واحد ، وذلك مما لا ينكر ، وإنما النزاع في اقتضاء اللفظ لذلك بمطلقه .
قولهم في الوجه الرابع : إنا ندرك التفرقة بين ( بعض ) و ( كل ) مسلم ، لكن من جهة أن بعضا لا يصلح للاستغراق وكلا صالح له ولما دونه ، ولا يلزم من ذلك ظهور ( كل ) في العموم
[5] .
قولهم في الوجه الخامس : إنه يلزم أن يكون قوله ( كلهم ) بيانا لا تأكيدا .
[ ص: 215 ] قلنا : وإن بين به مراده من لفظه لا يخرجه ذلك عن كونه تأكيدا لما أراده من العموم ، فإن لفظه صالح له
[6] .
قولهم في
nindex.php?page=treesubj&link=21135الجمع المعرف : إن كثرة الجمع المعرف تزيد على كثرة المنكر ، قلنا : متى إذا أريد به الاستغراق أو إذا لم يرد به ذلك ؟ الأول مسلم والثاني ممنوع ، ولا يلزم من كونه صالحا للاستغراق أن يكون متعينا له ، بل غايته أنه إذا قال : رأيت رجالا من الرجال كان ذلك قرينة صارفة للجمع المعرف إلى الاستغراق .
قولهم : إنه يصح تأكيده بما يفيد الاستغراق ، قلنا : ذلك يستدعي كون المؤكد صالحا للعموم والدلالة على العموم عند التأكيد ، ولا يدل على كونه متعينا بوضعه للعموم
[7] .
قولهم في
nindex.php?page=treesubj&link=21135تعميم النكرة المنفية : لو قال : لا رجل في الدار ، فإنه يعد كاذبا بتقدير رؤيته لرجل ما ، قلنا : إنما عد كاذبا بذلك ، لأن قوله لا رجل في الدار إنما ينفي حقيقة رجل في الدار ، فإذا وجد رجل في الدار كان كاذبا ، ولا يلزم من ذلك العموم في طرف النفي إذ هو نفي ما ليس بعام
[8] .
قولهم : إنه يحسن الاستثناء سبق جوابه
[9] .
قولهم : إنه يصح تكذيبه بأنك رأيت رجلا ، قلنا : سبق جوابه أيضا
[10] .
[ ص: 216 ] قولهم : لو لم يكن للعموم لما كان قول القائل : لا إله إلا الله توحيدا ، قلنا : وإن لم يكن حقيقة في العموم فلا يمتنع إرادة العموم بها .
وعلى هذا فمهما لم يرد المتكلم بها العموم فلا يكون قوله توحيدا ، وإن أراد ذلك كان توحيدا ، لكن لا يكون العموم من مقتضيات اللفظ ، بل من قرينة حال المتكلم الدالة على إرادة التوحيد ، وعلى هذا يكون الحكم أيضا فيما إذا قال : ما في الدار من رجل ، وقول أهل الأدب : إنها للعموم يمكن حمله على عموم الصلاحية دون الوجوب
[11] .
قَوْلُهُمْ : لِأَنَّهُ لَا يَحْسُنُ الْجَوَابُ إِلَّا بَعْدَ
nindex.php?page=treesubj&link=21135الِاسْتِفْهَامِ .
قُلْنَا : إِذَا كَانَتْ مُشْتَرَكَةً وَهِيَ اسْتِفْهَامِيَّةٌ فَالِاسْتِفْهَامُ إِنَّمَا هُوَ عَنْ مَدْلُولِهَا ، وَمَدْلُولُهَا عِنْدَ الِاسْتِفْهَامِ إِنَّمَا هُوَ أَحَدُ الْمَدْلُولَيْنِ لَا بِعَيْنِهِ ، فَإِذَا أَجَابَ بِأَحَدِ الْأَمْرَيْنِ فَقَدْ أَجَابَ عَمَّا سُئِلَ عَنْهُ ، فَلَا حَاجَةَ بِالْمَسْئُولِ إِلَى الِاسْتِفْهَامِ .
قَوْلُهُمْ : فِي الشَّرْطِيَّةِ إِنَّ الْمَفْهُومَ مِنْ قَوْلِ السَّيِّدِ لِعَبْدِهِ مَنْ دَخَلَ دَارِي فَأُكْرِمُهُ الْعُمُومُ لِمَا قَرَّرُوهُ .
قُلْنَا : لَيْسَ ذَلِكَ مَفْهُومًا مِنْ نَفْسِ اللَّفْظِ ، بَلْ مِنْ قَرِينَةِ إِكْرَامِ الزَّائِرِ حَتَّى أَنَّا لَوْ قَدَّرْنَا أَنَّهُ لَا أَصْلًا ، وَلَا تَحَقَّقَ لِمَا سِوَى اللَّفْظِ الْمَذْكُورِ ، فَإِنَّا لَا نُسَلِّمُ فَهْمَ الْعُمُومِ مِنْهُ وَلَا جَوَازَ التَّعْمِيمِ دُونَ الِاسْتِفْهَامِ أَوْ ظُهُورِ دَلِيلٍ يَدُلُّ عَلَيْهِ بِنَاءً عَلَى قَوْلِنَا بِالْوَقْفِ .
وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُ يَحْسُنُ الِاسْتِفْهَامُ مِنَ الْعَبْدِ وَلَوْ كَانَ عَلَى أَيِّ صِفَةٍ قُدِّرَ ، وَحُسْنُ ذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى التَّرْدِيدِ ، وَلَوْلَا التَّرْدِيدُ لَمَا حَسُنَ الِاسْتِفْهَامُ .
قَوْلُهُمْ : إِنَّهُ يَحْسُنُ الِاسْتِثْنَاءُ مِنْهُ مُسَلَّمٌ ، وَلَكِنْ لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ دُخُولِ مَا اسْتُثْنِيَ تَحْتَ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ ، فَإِنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مِنْ غَيْرِ الْجِنْسِ صَحِيحٌ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنِ الْمُسْتَثْنَى دَاخِلًا تَحْتَ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ وَلَا لَهُ عَلَيْهِ دَلَالَةٌ
[1] .
وَيَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ ذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=157مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ ) ، وَالظَّنُّ دَاخِلٌ تَحْتَ لَفْظِ الْعِلْمِ ، وَقَوْلُ الشَّاعِرِ :
[ ص: 213 ] وَقَفْتُ فِيهَا أُصَيْلَالًا أُسَائِلُهَا عَيَّتْ جَوَابًا وَمَا بِالرَّبْعِ مِنْ أَحَدِ إِلَّا أُوَارِيٌّ لَأْيًا مَا أُبَيِّنُهَا
وَالنُّؤْيَ كَالْحَوْضِ بِالْمَظْلُومَةِ الْجَلَدِ
[2]
فَإِنْ قِيلَ : نَحْنُ إِنَّمَا نَدَّعِي ذَلِكَ فِيمَا كَانَ مِنَ الْجِنْسِ لَا فِي غَيْرِهِ .
قُلْنَا : وَإِذَا كَانَ مِنَ الْجِنْسِ فَالِاسْتِثْنَاءُ يَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ دُخُولِ مَا اسْتُثْنِيَ تَحْتَ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ ، أَوْ عَلَى صَلَاحِيَتِهِ لِلدُّخُولِ تَحْتَهُ ، الْأَوَّلُ مَمْنُوعٌ ، وَالثَّانِي مُسَلَّمٌ .
وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ صِحَّةُ اسْتِثْنَاءِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ آحَادِ الْجِنْسِ مِنْ جُمُوعِ الْقِلَّةِ ، وَهِيَ مَا يَتَنَاوَلُ الْعَشَرَةَ فَمَا دُونَهَا ، وَهِيَ أَفْعَلَ نَحْوُ أَفْلَسَ ، وَأَفْعَالٌ نَحْوُ أَصْنَامٌ ، وَأَفْعِلَةٌ نَحْوٍ أَرْغِفَةٌ ، وَفِعْلَةٍ نَحْوُ صِبْيَةٍ ، مَعَ أَنَّ آحَادَ الْجِنْسِ غَيْرُ وَاجِبَةِ الدُّخُولِ تَحْتَ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ ، وَالِاسْتِثْنَاءُ مِنْ جَمْعِ السَّلَامَةِ إِذَا لَمْ تَدْخُلْهُ الْأَلِفُ وَاللَّامُ ، فَإِنَّهُ مِنْ جُمُوعِ الْقِلَّةِ بِنَصِّ
nindex.php?page=showalam&ids=16076سِيبَوَيْهِ .
فَإِنْ قِيلَ : نَحْنُ إِنَّمَا نَدَّعِي ذَلِكَ فِيمَا يَصِحُّ
nindex.php?page=treesubj&link=21135اسْتِثْنَاءُ الْعَدَدِ الْكَثِيرِ وَالْقَلِيلِ مِنْهُ ، وَاسْتِثْنَاءُ الْعَدَدِ الْكَثِيرِ وَهُوَ مَا زَادَ عَلَى الْعَشَرَةِ لَا يَصِحُّ مِنْ جَمْعِ الْقِلَّةِ .
قُلْنَا : فَيَلْزَمُ عَلَيْهِ
nindex.php?page=treesubj&link=21135اسْتِثْنَاءُ مَا زَادَ عَلَى الْعَشَرَةِ مِنَ الْجَمْعِ الْمُنَكَّرِ ، فَإِنَّهُ يَصِحُّ ، وَإِنْ كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الْمُسْتَثْنَيَاتِ غَيْرَ وَاجِبِ الدُّخُولِ تَحْتَ الْجَمْعِ الْمُنَكَّرِ ، بَلْ مُمْكِنُ الدُّخُولِ .
فَإِنْ قِيلَ : لَوْ صَحَّ الِاسْتِثْنَاءُ لِإِخْرَاجِ مَا يَصِحُّ دُخُولُهُ لَا مَا يَجِبُ دُخُولُهُ لَصَحَّ أَنْ يَقُولَ الْقَائِلُ : رَأَيْتُ رَجُلًا إِلَّا زَيْدًا ، لِصَلَاحِيَّةِ دُخُولِهِ تَحْتَ لَفْظِ رَجُلٍ ، وَهُوَ غَيْرُ صَحِيحٍ .
وَأَيْضًا ، فَإِنَّ الِاسْتِثْنَاءَ يَدْخُلُ فِي الْأَعْدَادِ كَقَوْلِ الْقَائِلِ : لَهُ عَلَيَّ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ إِلَّا دِرْهَمًا وَهُوَ وَاجِبُ الدُّخُولِ .
وَأَيْضًا ، فَإِنَّ أَهْلَ اللُّغَةِ قَالُوا : بِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ إِخْرَاجُ جُزْءٍ مِنْ كُلٍّ ، وَالْجُزْءُ وَاجِبُ الدُّخُولِ فِي كُلِّهِ .
قُلْنَا : أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ قَوْلَهُ : رَأَيْتُ رَجُلًا لَا يَكُونُ إِلَّا مُعَيَّنًا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ ضَرُورَةَ وُقُوعِ الرُّؤْيَةِ عَلَيْهِ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُعَيَّنًا عِنْدَ الْمُسْتَمِعِ ، وَالْمُعَيَّنُ لَا يَصِحُّ الِاسْتِثْنَاءُ مِنْهُ إِجْمَاعًا .
وَأَمَّا الثَّانِي فَبَعِيدٌ عَنِ التَّحْقِيقِ مِنْ حَيْثُ إِنَّ وُجُوبَ دُخُولِ الْوَاحِدِ فِي الْعَشَرَةِ لَا يَمْنَعُ مِنْ صِحَّةِ دُخُولِهِ فِيهَا ، بِمَعْنَى أَنَّهُ لَا يَمْتَنِعُ دُخُولُهُ فِيهَا ، وَمَا لَيْسَ بِمُمْتَنِعٍ أَعَمُّ مِنَ
[ ص: 214 ] الْوَاجِبِ وَعِنْدَ ذَلِكَ ، فَلَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ الِاسْتِثْنَاءُ لِوُجُوبِ الدُّخُولِ ، بَلْ لِصِحَّةِ الدُّخُولِ وَهُوَ الْجَوَابُ عَنِ الْوَجْهِ الثَّالِثِ أَيْضًا .
كَيْفَ وَإِنَّ اسْتِثْنَاءً وَاجِبَ الدُّخُولِ لَا يَمْنَعُ مِنِ اسْتِثْنَاءٍ مُمْكِنِ الدُّخُولِ ؟ وَعَلَى مَا قَرَّرْنَاهُ فِي إِبْطَالِ الِاسْتِدْلَالِ عَلَى عُمُومِ ( مَنْ ) اسْتِفْهَامِيَّةٌ وَجَزَائِيَّةٌ يَكُونُ بِعَيْنِهِ جَوَابًا عَمَّا ذَكَرُوهُ مِنَ الْوَجْهِ الْأَوَّلِ فِي عُمُومِ ( كُلٍّ ) وَ ( جَمِيعٍ ) .
قَوْلُهُمُ الْوَجْهُ الثَّانِي : إِنَّهُ لَوْ قَالَ : رَأَيْتُ كُلَّ مَنْ فِي الْبَلَدِ يُعَدُّ كَاذِبًا بِتَقْدِيرِ عَدَمِ رُؤْيَةِ بَعْضِهِمْ لَا نُسَلِّمُ لُزُومَ ذَلِكَ مُطْلَقًا .
فَإِنَّهُ لَوْ قَالَ الْقَائِلَ : جَمَعَ السُّلْطَانُ كُلَّ التُّجَّارِ وَكُلَّ الصُّنَّاعِ وَجَاءَ كُلُّ الْعَسْكَرِ ، فَإِنَّهُ لَا يُعَدُّ فِي الْعُرْفِ كَاذِبًا بِتَقْدِيرِ تَخَلُّفِ آحَادِ النَّاسِ .
وَالْعُرْفُ بِذَلِكَ شَائِعٌ ذَائِعٌ ، وَلَيْسَ حَوَالَةُ ذَلِكَ عَلَى الْقَرِينَةِ أَوْلَى مِنْ حَوَالَةِ صُورَةِ التَّكْذِيبِ عَلَى الْقَرِينَةِ
[3] .
قَوْلُهُمْ فِي الْوَجْهِ الثَّالِثِ : إِنَّ قَوْلَ الْقَائِلِ : كُلُّ النَّاسِ عُلَمَاءٌ يُكَذِّبُهُ قَوْلُ الْآخَرِ : كُلُّ النَّاسِ لَيْسَ عُلَمَاءً لَيْسَ كَذَلِكَ مُطْلَقًا ، فَإِنَّهُ لَوْ فَسَّرَ كَلَامَهُ بِالْغَالِبِ عِنْدَهُ كَانَ تَفْسِيرُهُ صَحِيحًا مَقْبُولًا .
وَمَهْمَا أَمْكَنَ حَمْلُ كَلَامِهِ عَلَى ذَلِكَ فَلَا تَكَاذُبَ
[4] .
نَعَمْ إِنَّمَا يَصِحُّ التَّكَاذُبُ بِتَقْدِيرِ ظُهُورِ الدَّلِيلِ الدَّالِّ عَلَى إِرَادَةِ الْكُلِّ بِحَيْثُ لَا يَشِذُّ مِنْهُمْ وَاحِدٌ ، وَذَلِكَ مِمَّا لَا يُنْكَرُ ، وَإِنَّمَا النِّزَاعُ فِي اقْتِضَاءِ اللَّفْظِ لِذَلِكَ بِمُطْلَقِهِ .
قَوْلُهُمْ فِي الْوَجْهِ الرَّابِعِ : إِنَّا نُدْرِكُ التَّفْرِقَةَ بَيْنَ ( بَعْضٍ ) وَ ( كُلٍّ ) مُسَلَّمٌ ، لَكِنْ مِنْ جِهَةِ أَنَّ بَعْضًا لَا يَصْلُحُ لِلِاسْتِغْرَاقِ وَكُلًّا صَالِحٌ لَهُ وَلِمَا دُونَهُ ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ ظُهُورُ ( كُلٍّ ) فِي الْعُمُومِ
[5] .
قَوْلُهُمْ فِي الْوَجْهِ الْخَامِسِ : إِنَّهُ يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ ( كُلُّهُمْ ) بَيَانًا لَا تَأْكِيدًا .
[ ص: 215 ] قُلْنَا : وَإِنْ بَيَّنَ بِهِ مُرَادَهُ مِنْ لَفْظِهِ لَا يُخْرِجُهُ ذَلِكَ عَنْ كَوْنِهِ تَأْكِيدًا لِمَا أَرَادَهُ مِنَ الْعُمُومِ ، فَإِنَّ لَفْظَهُ صَالِحٌ لَهُ
[6] .
قَوْلُهُمْ فِي
nindex.php?page=treesubj&link=21135الْجَمْعِ الْمُعَرَّفِ : إِنَّ كَثْرَةَ الْجَمْعِ الْمُعَرَّفِ تَزِيدُ عَلَى كَثْرَةِ الْمُنَكَّرِ ، قُلْنَا : مَتَى إِذَا أُرِيدَ بِهِ الِاسْتِغْرَاقُ أَوْ إِذَا لَمْ يُرَدْ بِهِ ذَلِكَ ؟ الْأَوَّلُ مُسَلَّمٌ وَالثَّانِي مَمْنُوعٌ ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِهِ صَالِحًا لِلِاسْتِغْرَاقِ أَنْ يَكُونَ مُتَعَيَّنًا لَهُ ، بَلْ غَايَتُهُ أَنَّهُ إِذَا قَالَ : رَأَيْتُ رِجَالًا مِنَ الرِّجَالِ كَانَ ذَلِكَ قَرِينَةً صَارِفَةً لِلْجَمْعِ الْمُعَرَّفِ إِلَى الِاسْتِغْرَاقِ .
قَوْلُهُمْ : إِنَّهُ يَصِحُّ تَأْكِيدُهُ بِمَا يُفِيدُ الِاسْتِغْرَاقَ ، قُلْنَا : ذَلِكَ يَسْتَدْعِي كَوْنَ الْمُؤَكَّدِ صَالِحًا لِلْعُمُومِ وَالدَّلَالَةِ عَلَى الْعُمُومِ عِنْدَ التَّأْكِيدِ ، وَلَا يَدُلُّ عَلَى كَوْنِهِ مُتَعَيَّنًا بِوَضْعِهِ لِلْعُمُومِ
[7] .
قَوْلُهُمْ فِي
nindex.php?page=treesubj&link=21135تَعْمِيمِ النَّكِرَةِ الْمَنْفِيَّةِ : لَوْ قَالَ : لَا رَجُلَ فِي الدَّارِ ، فَإِنَّهُ يُعَدُّ كَاذِبًا بِتَقْدِيرِ رُؤْيَتِهِ لِرَجُلٍ مَا ، قُلْنَا : إِنَّمَا عُدَّ كَاذِبًا بِذَلِكَ ، لِأَنَّ قَوْلَهُ لَا رَجُلَ فِي الدَّارِ إِنَّمَا يَنْفِي حَقِيقَةَ رَجُلٍ فِي الدَّارِ ، فَإِذَا وُجِدَ رَجُلٌ فِي الدَّارِ كَانَ كَاذِبًا ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ الْعُمُومُ فِي طَرَفِ النَّفْيِ إِذْ هُوَ نَفْيُ مَا لَيْسَ بِعَامٍّ
[8] .
قَوْلُهُمْ : إِنَّهُ يَحْسُنُ الِاسْتِثْنَاءُ سَبَقَ جَوَابُهُ
[9] .
قَوْلُهُمْ : إِنَّهُ يَصِحُّ تَكْذِيبُهُ بِأَنَّكَ رَأَيْتَ رَجُلًا ، قُلْنَا : سَبَقَ جَوَابُهُ أَيْضًا
[10] .
[ ص: 216 ] قَوْلُهُمْ : لَوْ لَمْ يَكُنْ لِلْعُمُومِ لَمَا كَانَ قَوْلُ الْقَائِلِ : لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ تَوْحِيدًا ، قُلْنَا : وَإِنْ لَمْ يَكُنْ حَقِيقَةً فِي الْعُمُومِ فَلَا يَمْتَنِعُ إِرَادَةُ الْعُمُومِ بِهَا .
وَعَلَى هَذَا فَمَهْمَا لَمْ يُرِدِ الْمُتَكَلِّمُ بِهَا الْعُمُومَ فَلَا يَكُونُ قَوْلُهُ تَوْحِيدًا ، وَإِنْ أَرَادَ ذَلِكَ كَانَ تَوْحِيدًا ، لَكِنْ لَا يَكُونُ الْعُمُومُ مِنْ مُقْتَضَيَاتِ اللَّفْظِ ، بَلْ مِنْ قَرِينَةِ حَالِ الْمُتَكَلِّمِ الدَّالَّةِ عَلَى إِرَادَةِ التَّوْحِيدِ ، وَعَلَى هَذَا يَكُونُ الْحُكْمُ أَيْضًا فِيمَا إِذَا قَالَ : مَا فِي الدَّارِ مِنْ رَجُلٍ ، وَقَوْلُ أَهْلِ الْأَدَبِ : إِنَّهَا لِلْعُمُومِ يُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى عُمُومِ الصَّلَاحِيَّةِ دُونَ الْوُجُوبِ
[11] .