84 - أخبرنا أبو علي حسان بن سعيد المنيعي، أنا أنا أبو طاهر الزيادي، نا أبو بكر محمد بن الحسين القطان، نا أحمد بن يوسف السلمي، أنا عبد الرزاق، عن معمر، نا همام بن منبه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أبو هريرة، " من يولد يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه كما تنتجون البهيمة، هل تجدون فيها من جدعاء حتى تكونوا أنتم تجدعونها، قالوا: يا رسول الله، أفرأيت من يموت وهو صغير؟ قال: "الله أعلم بما كانوا عاملين".
هذا حديث متفق على صحته، أخرجه عن محمد، إسحاق، وأخرجه عن مسلم، كلاهما عن محمد بن رافع، . عبد الرزاق
ح أخبرنا أبو الحسن الشيرزي، أنا أنا أبو إسحاق الهاشمي، [ ص: 155 ] أنا زاهر بن أحمد، عن أبو مصعب، عن مالك، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن النبي صلى الله عليه وسلم بهذا. أبي هريرة،
قال الشيخ، رحمه الله: أطفال المشركين لا يحكم لهم بجنة ولا نار، بل أمرهم موكول إلى علم الله تعالى فيهم، كما أفتى به الرسول صلى الله عليه وسلم. [ ص: 156 ] .
وجملة الأمر أن مرجع العباد في المعاد إلى ما سبق لهم في علم الله سبحانه وتعالى من السعادة والشقاوة. [ ص: 157 ] .
وقيل: حكم آبائهم، وهو المراد من قوله صلى الله عليه وسلم: "الله أعلم بما كانوا عاملين"، يدل عليه ما روي مفسرا عن حكم أطفال المؤمنين والمشركين أنها قالت: عائشة،
فقلت: يا رسول الله، بلا عمل؟ قال: "الله أعلم بما كانوا عاملين".
قلت: فذراري المشركين؟ قال: "من آبائهم".
قلت: بلا عمل؟! قال: "الله أعلم بما كانوا عاملين". قلت: يا رسول الله، ذراري المؤمنين؟ قال: "من آبائهم".
وقال عن معمر، عن قتادة، أن الحسن، سلمان قال: أولاد المشركين خدم أهل الجنة، قال الحسن: ما تعجبون! أكرمهم الله، وأكرم بهم.
وقوله: "من يولد على الفطرة"، أصل الفطرة في اللغة: ابتداء الخلقة، قال الله تعالى: ( الحمد لله فاطر السماوات والأرض ) أي: مبتديها، يقال: فطر ناب البعير: إذا طلع أول ما نبت.
قال في معنى هذا الحديث: هذا عندنا حيث أخذ الله [ ص: 158 ] عز وجل عليهم العهد في أصلاب آبائهم، فقال: ( حماد بن سلمة ألست بربكم قالوا بلى ) .
قال : معنى قول أبو سليمان الخطابي حماد في هذا حسن، وكأنه ذهب إلى أنه لا عبرة بالإيمان الفطري في أحكام الدنيا، وإنما يعتبر الإيمان الشرعي المكتسب بالإرادة والفعل، ألا ترى أنه يقول: "فأبواه يهودانه وينصرانه".
يعني: في حكم الدنيا، فهو مع وجود الإيمان الفطري فيه، محكوم له بحكم أبويه الكافرين.
قال الشيخ رحمه الله: معناه: أن الفطرة في هذا الحديث هي العهد الذي أخذ عليهم بقوله تعالى: ( ألست بربكم قالوا بلى ) ، وكل مقر بأن له صانعا مدبرا، وإن عبد ما سواه ظنا منه أنه يقربه إليه، قال الله تعالى: ( ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله ) وقالوا: أي الذين اتخذوا من دونه أولياء ( ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى ) وكل مولود في العالم على ذلك الإقرار، وهو الحنيفية التي وقعت الخلقة عليها.
قال النبي عليه السلام: وذلك الإقرار لا يبتني عليه [ ص: 159 ] ثواب ولا حكم، ألا ترى أن الطفل محكوم بدين أبويه الكافرين، فإذا ملكه مسلم، حكم له بدين مالكه، والله أعلم. يقول الله تعالى: "إني خلقت عبادي جميعا حنفاء، فاجتالتهم الشياطين عن دينهم"،
قال الإمام رحمه الله: وقد روى بعضهم: "ما من مولود يولد إلا على فطرة الإسلام حتى يعرب، فأبواه يهودانه وينصرانه".
أراد به الفطرة التي يعتقدها أهل الإسلام، حيث قالوا: بلى، ولا يبتني عليه الحكم كما سبق.
قال : وفيه وجه آخر ذهب إليه الخطابي حين سئل عنه، فقال: تفسيره قوله حين سئل عن الأطفال، فقال: "الله أعلم بما كانوا عاملين"، يريد، والله أعلم أن كل مولود من البشر إنما يولد على فطرته التي جبل عليها في علم الله تعالى من السعادة أو الشقاوة، فكل منهم صائر في العاقبة إلى ما فطر عليه، وعامل في الدنيا بالعمل المشاكل لفطرته في السعادة أو الشقاوة. عبد الله بن المبارك
فمن أمارات الشقاوة للطفل أن يولد بين يهوديين أو نصرانيين، فيحملانه لشقائه على اعتقاد دينهما، فينشأ عليه أو يموت قبل أن يعقل، فيصف الدين، فهو محكوم له بحكم والديه. [ ص: 160 ] .
قال الشيخ، رحمه الله: الذي يدل عليه قوله سبحانه وتعالى: ( لا تبديل لخلق الله ) أي: لا تبديل لتلك الخلقة التي خلقهم لها من الجنة أو النار كما جاء في الحديث: "خلقت هؤلاء للجنة، وبعمل أهل الجنة يعملون، وخلقت هؤلاء للنار، وبعمل أهل النار يعملون".
قال : وفيه وجه ثالث: وهو أن يكون معناه أن كل مولود من البشر إنما يولد في مبدأ الخلقة على الفطرة، أي: على الجبلة السليمة، والطبع المتهيئ لقبول الدين، فلو ترك عليها، لاستمر على لزومها، ولم يفارقها إلى غيرها، لأن هذا الدين موجود حسنه في العقول، وبشره في النفوس، وإنما يعدل عنه من يعدل إلى غيره لآفة من آفات النشوء والتقليد، فلو سلم المولود من تلك الآفات لم يعتقد غيره، ثم تمثل بأولاد اليهود والنصارى واتباعهم لآبائهم، والميل إلى أديانهم، فيزولون بذلك عن الفطرة السليمة، وعن المحجة المستقيمة. الخطابي
وليس في هذا ما يوجب حكم الإيمان له، إنما هو ثناء على هذا الدين، وإخبار عن سر محله من العقول، وحسن موقعه في النفوس.
هذا قول في كتابه. [ ص: 161 ] . أبي سليمان