2668 - أخبرنا أبو عبد الله بن محمد بن الحسن الميربندكشائي ، أنا أبو سهل محمد بن عمر بن طرفة السجزي، أنا أبو سليمان حمد بن محمد بن إبراهيم الخطابي، أنا نا أبو بكر محمد بن بكر بن داسة، أبو داود سليمان بن الأشعث السجستاني، نا محمد بن سليمان الأنباري، نا عن وكيع، عن سفيان، عن علقمة بن مرثد، عن أبيه، قال: سليمان بن بريدة، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا بعث أميرا على سرية، أو جيش أوصاه بتقوى الله في خاصة نفسه، وبمن معه من المسلمين خيرا، وقال: " إذا لقيت عدوك [ ص: 6 ] من المشركين فادعهم إلى إحدى ثلاث خصال، أو خلال، فأيتهن ما أجابوك إليها، فاقبل منهم، وكف عنهم: ادعهم إلى الإسلام، فإن أجابوك، فاقبل منهم، وكف عنهم، ثم ادعهم إلى التحول من دارهم إلى دار المهاجرين، وأعلمهم أنهم إن فعلوا ذلك أن لهم ما للمهاجرين، وأن عليهم ما على المهاجرين، فإن أبوا، واختاروا دارهم، فأعلمهم أنهم يكونون مثل أعراب المسلمين يجري عليهم حكم الله الذي يجري على المؤمنين، ولا يكون لهم في الفيء، والغنيمة نصيب إلا أن يجاهدوا مع المسلمين، فإن هم أبوا، فادعهم إلى إعطاء الجزية، فإن أجابوا، فاقبل منهم، وكف عنهم، فإن أبوا، فاستعن بالله، وقاتلهم، وإذا حاصرت أهل حصن، فأرادوك أن تنزلهم على حكم الله تعالى، فلا تنزلهم، فإنكم لا تدرون ما حكم الله فيهم، ولكن أنزلوهم على حكمكم، ثم اقضوا فيها بعد ما شئتم ".
هذا حديث صحيح ، أخرجه عن مسلم ، عن أبي بكر بن أبي شيبة ، [ ص: 7 ] قال الإمام : هذا الحديث يشتمل على فوائد وعدة أحكام : أحدها : وكيع فينبغي للإمام إذا بعث جيشا أن يؤمر عليهم أميرا ، ويأمرهم بطاعته ، حتى لا يختلف أمرهم ، وقد روي عن التأمير في الحرب ، أن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : أبي سعيد الخدري ، وعن " إذا خرج ثلاثة إلى سفر فليؤمروا أحدهم " ، عن أبي الأحوص ، قال : عبد الله ، " إذا كنتم ثلاثة في سفر ، فأمروا أحدكم " ، وإنما أمرهم بذلك ، ليكون أمرهم جميعا ، ولا يتفرق بهم الرأي ، فيحملهم ذلك على الخلاف ، والشقاق.
وفي الحديث دليل على أنه وقد اختلف أهل العلم في ذلك ، فقال لا يقاتل المشركين إلا بعد دعائهم إلى الإسلام ، لا يقاتلون حتى يدعوا ، ويؤذنوا ، وذهب جماعة إلى أنهم يقاتلون قبل الدعوة ، والدعوة استحباب ، لأن الدعوة قد بلغتهم ، وهو قول مالك : الثوري ، والشافعي ، وأصحاب الرأي ، وأحمد ، وإسحاق ، واحتج بقتل الشافعي ابن أبي [ ص: 8 ] الحقيق ، وأيضا روي عن أن النبي صلى الله عليه وسلم أنس ، وقال عليه السلام " كان يغير عند صلاة الصبح ، فإذا سمع أذانا أمسك ، وإلا أغار ، وأغار على بني المصطلق وهم غارون " ، لأسامة : فثبت بهذه الأحاديث أن تقديم الدعوة ليس بشرط إذا كانت الدعوة قد بلغتهم قبل ذلك. " أغر على أبنى صباحا وحرق " ،
فأما فما بعدت داره ، ونأى محله ، فإنه لا يقاتل حتى يدعى إلى الإسلام ، فإن قتل منهم واحد قبل الدعوة فتجب فيه الكفارة والدية ، وفي وجوب اختلاف القود اختلاف بين أهل العلم ، وقال من لم تبلغه الدعوة من الكفار في قوله عز وجل ( سعيد بن جبير ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن إلا الذين ظلموا منهم ) ، أهل الحرب ادعوهم فإن أبوا ، فجادلوهم بالسيف.
وقوله : " وأعلمهم أنهم إن فعلوا ذلك أن لهم ما للمهاجرين " أراد من مال الفيء ، وذلك أن المهاجرين كانوا أقواما من قبائل مختلفة تركوا أوطانهم ، وهجروها في الله ، واختاروا المدينة دارا ووطنا ، ولم يكن [ ص: 9 ] لأكثرهم بها زرع ، ولا ضرع ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينفق عليهم من مال الفيء ، وإذا دعوا إلى الجهاد ، لا يتخلفون عنه ، ولم يكن للأعراب، وسكان البلد في الفيء نصيب إلا من شهد الوقعة منهم ، فله سهمه ، ومن لم يخرج منهم في البعث ، فلا شيء له من الفيء ، ولا عتب عليه في التخلف ما دام في المجاهدين كفاية .
وقوله : " وعليهم ما على المهاجرين " ، أي : من النفير أي وقت دعوا إليه .
وقوله : " فإن هم أبوا ، فادعهم إلى إعطاء الجزية " ، فظاهره يوجب مثل عبدة الشمس ، والنيران ، والأوثان إذا أعطوها ، وإلى هذا ذهب قبول الجزية من كل مشرك ، كتابي أو غير كتابي ، ومالك : أنه تقبل الجزية من كل كافر ، عربيا كان أو أعجميا ، إلا المرتد ، قال الأوزاعي ، لعامل المغيرة بن شعبة كسرى : وعن أمرنا نبينا رسول ربنا أن نقاتلكم حتى تعبدوا الله وحده ، أو تؤدوا الجزية ، وأخبرنا نبينا عن رسالة ربنا أنه من قتل منا صار إلى الجنة في نعيم لم ير مثلها قط ، ومن بقي منا ملك رقابكم ، قال : كتب أبي وائل إلى خالد بن الوليد أهل فارس : بسم الله الرحمن الرحيم ، من إلى خالد بن الوليد رستم ومهران في ملأ فارس : سلام على من اتبع الهدى ، أما بعد فإنا ندعوكم إلى الإسلام ، فإن أبيتم ، فأعطوا الجزية عن يد وأنتم صاغرون ، فإن أبيتم ، فإن معي قوما يحبون القتل في سبيل الله ، كما تحب فارس الخمر ، والسلام على [ ص: 10 ] من اتبع الهدى .
وقوله : " فإن أجابوا ، فاقبل منهم ، وكف عنهم " ، يعني : إذا قبلوا الجزية ، دخلوا في ذمة المسلمين يجب الكف عنهم قتلا ، واسترقاقا ، والذب عنهم .
قال عمر رضي الله عنه في وصيته : أوصي الخليفة من بعدي بالمهاجرين ، والأنصار ، أوصيه بذمة الله وذمة رسوله أن يوفي لهم بعدهم وأن يقاتل من ورائهم ، ولا يكلفوا إلا طاقتهم .
وذهب قوم إلى أن الجزية لا تقبل إلا من أهل الكتاب ومن المجوس سواء كانوا عربا ، أو عجما ، ولا تقبل من أهل الأوثان بحال ، إليه ذهب الشافعي .
وقال تقبل من أهل الكتاب على العموم ، وتقبل من مشركي العجم ، ولا تقبل من مشركي العرب ، وقال أبو حنيفة : لا تقبل من العربي ، كتابيا كان ، أو مشركا ، وتقبل من العجمي ، كتابيا كان أو مشركا . أبو يوسف :
قال ولولا أن نأثم بتمني باطل ، وددنا أن لا يجري على عربي صغار ، ولكن الله أجل في أعيننا من أن نحب غير ما حكم به . الشافعي :
وروي : أن النبي صلى الله عليه وسلم " أخذ الجزية من أكيدر دومة وهو رجل من غسان ، أو كندة ، ومن أهل ذمة اليمن ، وعامتهم عرب " . [ ص: 11 ] .