باب تبليغ حديث الرسول صلى الله عليه وسلم وحفظه.
قال الله سبحانه وتعالى: ( وما آتاكم الرسول فخذوه ) .
قال الشيخ الإمام: الأمر عام في حق أهل زمانه، ومن جاء بعدهم، ولا وصول إلى من بعدهم إلا بالتبليغ.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم في خطبته: "فليبلغ الشاهد الغائب".
112 - قال الشيخ: أخبرنا أبو الحسن عبد الوهاب بن محمد الكسائي، أنا أبو محمد عبد العزيز بن أحمد الخلال، نا . أبو العباس محمد بن يعقوب الأصم
ح، وأخبرنا أحمد بن عبد الله الصالحي، ومحمد بن أحمد العارف، قالا: أنا نا أبو بكر الحيري، أنا أبو العباس الأصم، أنا الربيع، أنا الشافعي، عن سفيان بن عيينة، عن عبد الملك بن عمير، عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود، عن أبيه، [ ص: 236 ] أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: " نضر الله عبدا سمع مقالتي، فحفظها، ووعاها، وأداها، فرب حامل فقه غير فقيه، ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه، ثلاث لا يغل عليهن قلب مسلم: إخلاص العمل لله، والنصيحة للمسلمين، ولزوم جماعتهم، فإن دعوتهم تحيط من ورائهم ".
قال : هذا حديث حسن صحيح. أبو عيسى
قال : قوله: "نضر الله امرأ" معناه: الدعاء له بالنضارة، وهي النعمة والبهجة، ويقال: نضره الله، بالتخفيف والتثقيل، وأجودهما التخفيف، وقيل: ليس هذا من حسن الوجه، إنما معناه حسن الجاه والقدر في الخلق. [ ص: 237 ] . أبو سليمان الخطابي
قوله: "لا يغل عليهن" بفتح الياء، وكسر الغين من الغل، وهو الضغن والحقد، يريد: لا يدخله حقد يزيله عن الحق، ويروى بضم الياء من الإغلال، وهو الخيانة.
وفي الحديث: أنه كتب في كتاب صلح الحديبية: "لا إغلال ولا إسلال".
فالإغلال: الخيانة، والإسلال: السرقة، يقال: فلان مغل مسل، أي: خائن سارق، والسلة: السرقة.
فأما الغلول في الغنيمة، وهو الخيانة فيها فليس من هذا، سمي غلولا، لأن الأيدي مغلولة عنها، أي: ممنوعة، يقال من الغلول في الغنيمة: غل يغل، بضم الغين، قال الله سبحانه وتعالى: ( وما كان لنبي أن يغل ) ويقال من الخيانة في غيرها: أغل يغل، ويقال من الحقد: غل يغل، بكسر الغين.
وفيه إشارة إلى قال تكرار الحديث للحفظ، إني لأسمع الحديث، فأحدث به الخادم أدسه به في نفسي، أي: أثبته، يريد أحدث به خادمي أستذكر بذلك. النخعي:
وفيه دليل على لأنه إذا فعل ذلك، فقد قطع طريق الاستنباط على من بعده ممن هو أفقه، وفي ضمنه كراهية اختصار الحديث لمن ليس بالمتناهي في الفقه، واستخراج المكنون من سره. وجوب التفقه، والحث على استنباط معنى الحديث،
واختلف أهل العلم في فرخص فيه جماعة، قال واثلة بن الأسقع: إذا حدثناكم بالحديث على معناه، فحسبكم، وإليه [ ص: 238 ] ذهب الحسن، نقل الحديث بالمعنى، والنخعي. والشعبي،
قال أيوب، عن : كنت أسمع الحديث من عشرة، اللفظ مختلف، والمعنى واحد. ابن سيرين
قال : انقص من الحديث إن شئت، ولا تزد فيه. مجاهد
قال : إن قلت: إني حدثتكم كما سمعت فلا تصدقوني، فإنما هو المعنى. سفيان الثوري
وقال إن لم يكن المعنى واسعا، فقد هلك الناس. وكيع:
وذهب قوم إلى اتباع اللفظ، منهم: وهو قول ابن عمر، القاسم بن محمد، وابن سيرين، ورجاء بن حيوة، ومالك بن أنس، وابن علية، وعبد الوارث، ويزيد بن زريع، ووهيب، وبه قال أحمد، ويحيى .
وذهب جماعة من أئمة الحديث، وأهل العلم إلى جواز وإليه ذهب القراءة، والعرض على المحدث، ثم الرواية عنه، الحسن، والشعبي، وعروة، وهشام بن عروة، وزيد بن أسلم، وعكرمة، والزهري، واحتجوا بحديث وابن أبي ذئب، ضمام بن ثعلبة .
وبيان العرض أن يدفع كتابا إلى محدث فيه سماعه، فيتأمله المحدث ويعرفه، فيقول له: هذه رواياتي عن شيوخي، فحدث بها عني. [ ص: 239 ] .
وقال : عرضت على عاصم الأحول أحاديث الفقه، فأجازها لي. الشعبي
وقال : صحبت مطرف بن عبد الله مالكا سبع عشرة سنة، فما رأيته قرأ الموطأ على أحد، وسمعته يأبى على من يقول: لا يجزئه إلا السماع، ويقول: كيف لا يجزئك هذا في الحديث، ويجزئك في القرآن، والقرآن أعظم؟.
وقال : سئل ابن أبي أويس عن حديثه، أسماع هو؟ فقال: منه سماع، ومنه عرض، وليس العرض بأدنى عندنا من السماع. مالك
وذهب جماعة من الفقهاء إلى أن العرض ليس بسماع، وهو قول والثوري، الأوزاعي، وابن المبارك، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: [ ص: 240 ] . "نضر الله امرأ سمع مقالتي".
وقال صلى الله عليه وسلم: "تسمعون ويسمع منكم".
واختلفوا في قال القراءة على المحدث، هل هو إخبار أم لا؟ عن أبو عاصم، مالك، وسفيان: القراءة على العالم وقراءته سواء.
وقال : إذا قرئ على المحدث، فلا بأس أن يقول: حدثني، وكان عنده حدثنا، وأخبرنا، وأنبأنا، وسمعت، واحدا. سفيان بن عيينة
واحتج بالصك يقرأ على القوم، فيقولون: أشهدنا فلان، ويقرأ ذلك قراءة عليه، ويقرأ على المقرئ، فيقول: أقرأني فلان. مالك
وجوزوا رآه المناولة، وكتاب أهل العلم بالعلم إلى البلدان عبد الله بن عمر، ويحيى بن سعيد، ومالك جائزا.
قال كتب إلي شعبة: بحديث، ثم لقيته بعد ذلك، [ ص: 241 ] فسألته عن ذلك، فقال: أليس قد حدثتك به، إذا كتبت إليك، فقد حدثتك. منصور
واحتج بعض أهل الحجاز في المناولة بحديث النبي صلى الله عليه وسلم، حيث كتب لأمير السرية كتابا، قال: "لا تقرأه حتى تبلغ مكان كذا وكذا" [ ص: 242 ] فلما بلغ ذلك المكان، قرأه على الناس، وأخبرهم بأمر النبي صلى الله عليه وسلم.
قال الذي أختاره في الرواية، وعهدت عليه أكثر مشايخي، أن يقول في الذي يأخذه من المحدث لفظا ليس معه أحد: حدثني فلان، وما يأخذه لفظا مع غيره: حدثنا فلان، وما قرأ على المحدث بنفسه أخبرني فلان، وما قرئ على المحدث وهو حاضر أخبرنا فلان، وإذا عرض على المحدث، فأجاز له روايته شفاها يقول: أنبأني فلان، وما كتب إليه، ولم يشافهه بالإجازة يقول: كتب إلي فلان. الحاكم أبو عبد الله الحافظ:
واحتج في البخاري بحديث وقت سماع الصغير عن الزهري، قال: عقلت مع النبي صلى الله عليه وسلم مجة مجها في وجهي، وأنا ابن خمس سنين من دلو. محمود بن الربيع،