ذكر بيع المكاتب
أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن بيع السيد مكاتبه غير جائز على أن تبطل كتابته ببيعه ، إذا كان ماضيا في كتابته مؤديا ما يجب عليه من نجومه في أوقاتها .
واختلفوا في بيع المكاتب وهو ماض في أداء ما عليه على الشروط التي شرطها له سيده الذي كاتبه ، فأجازت طائفة بيع المكاتب ، فممن لم ير ببيع المكاتب بأسا : إبراهيم النخعي وأحمد بن حنبل ، قال وأبو ثور أحمد : كانت مكاتبة . وقال بريرة : لا بأس ببيع المكاتب يشتريه الرجل فيكون مقام الذي كاتبه فيه إن أدى إليه عتق ، وإن لم يؤد كان رقيقا له فأما نجومه فلا يجوز ، لأنه إن عجز عن الأداء لم يكن ملكا للذي اشترى نجومه . وقال أبو ثور : قلت ابن جريج لعطاء : غلاما كاتبته فبعته رقبة أو كاتبته من رجل فعجز . قال : هو عبد الذي ابتاعه . قال : فقلت وعمرو بن دينار لعطاء : فقضى فعتق ؟ قال : فهو مولى للذي ابتاعه .
وقال : أحسن ما سمعت في المكاتب أنه إذا بيع كان أحق [ ص: 503 ] باشتراء كتابته ممن اشتراه إذا قوي على أن يؤدي إلى سيده الثمن الذي باعه به فهو أحق بذلك وذلك أن اشتراء نفسه عتاقة ، والعتاقة يبدأ بها على ما كان معها من الوصايا . وقال مالك في رجل كاتب غلاما له بعين أو عرض فأراد المكاتب أن يشتري كتابته بعرض أو عين معجل أو مؤخر فلا بأس به ، وأما غيره فلا تبتاع كتابته إلا بشيء مخالف لما كاتبه عليه تباع الدنانير والدراهم بعرض يعجله ولا يؤخره ، ويبتاع العرض بشيء مخالف له من النقد والعرض يعجله ولا يؤخره . وقال مالك : من كاتب مكاتبا على نجوم يؤديها إليه فعجز فإن شاء سيده أن يرده عبدا فعل ، وإن شاء باع رقبته بما عليه من نجومه أو بأقل أو بأكثر منه ، بنقد أو عرض ، وإن باعه استسعاه المشتري في نجومه حتى يؤديها إليه وولاؤه له . الليث بن سعد
وقال : أقول أنا : لا بأس ببيع المكاتب بالعروض . ابن جريج
وفيه قول سواه : وهو أن لا يجوز بيع المكاتب إلا برضى منه . هذا قول الزهري وأبي الزناد وربيعة .
وفيه قول ثالث : وهو أن بيعه غير جائز . هذا قول أصحاب الرأي قالوا : لا يباع المكاتب .
وقد اختلف عن في هذه المسألة ، فحكى الشافعي الحسن بن محمد عنه ، عن ، عن مالك يحيى بن سعيد ، عن ، عن عمرة ح . [ ص: 504 ] عائشة
وعن ، عن مالك ، عن أبيه ، عن هشام بن عروة في قصة عائشة . قال بريرة : سمعت من يقول : لمالك المملوك والمكاتب أن يبيعه ، وذلك أنه لم يعتق وهو عبد بحاله لا يختلف الناس في أن أحكامه أحكام عبد في جنايته والجناية عليه وميراثه وحدوده وسهمه إن حضر القتال وما سوى ذلك . فمن قال هذا القول فكان من حجته أن يقول ما وصفنا من أنه عبد (بشروط) له شرط حلال لم يزل العبودية ، وله أن يملكه غيره متى شاء ولا يزول شرطه ، وذلك أنه ملكه عن مالكه ، وإنما يملك منه ما كان مالكه يملك (كبيع عبد) وهو مؤاجر ، فاختار المشتري أن لا يرده [فالإجارة ثابتة وكعبد] بيع ، وقد جنى جناية فاختار المشتري أن يأخذه ولا يرده فالجناية في عنقه ، وإذا تحول ملك صاحب المكاتب عنه فملكه المشتري فهو كمن عقد له الكتابة إن عتق فله ولاؤه وإن عجز فله رقبته . وقال أبو عبد الله - يعني الشافعي - : ولا أعرف حجة من قال : ليس له بيع المكاتب إلا أن يقول لعل الشافعي رضيت أن تعجز . قال بريرة : وأظهر معانيه إن لم يرض بالعجز وإن لمالك المكاتب بيعه . ثم قال بمصر فيما أخبرنيه الشافعي الربيع عنه : وليس يحتمل أن يجوز ، فلما لم أعلم مخالفا في أن لا يباع المكاتب حتى يعجز أو يرضى بترك الكتابة لم يكن هذا معنى الحديث ، لأني لم أجد حديثا ثابتا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن عرفت من جميع الناس على خلافه . [ ص: 505 ] بيع المكاتب والمكاتبة إن لم يعجزا
قال : بيعت أبو بكر وهي مكاتبة بعلم النبي صلى الله عليه وسلم ، ولولا أن ذلك جائز لنهى عنه ، وفي إجازته البيع لما لم ينه عنه دليل على إباحة بيع المكاتب ، ولو لم يجز بيع المكاتب حتى يعجز لأشبه أن يسأل النبي صلى الله عليه وسلم بريرة أعجزت أم لا ؟ فأما اعتراض بعض أهل بريرة مصر وإدخاله النظر على الخبر حيث يقول : يشتري المكاتب لا يدري يحصل له النجوم التي يقبضها أو رقبة العبد . فليس مما يجوز أن يعتل به قائل مع ثبوت الخبر ، وإنما يجب في الأخبار التسليم لها لا الاعتراض عليها ، قال الله : ( فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ) إلى قوله : ( ويسلموا تسليما ) فنفى عز وجل الإيمان عن من لا يسلم لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم ثنى بأمر هو أعجب من الأول ادعى أن كانت عاجزة ، وهذه دعوى غيب لا دليل لمدعيه في شيء من الأخبار كان بريرة يقول : لو يعطى الناس بدعواهم ادعى ناس دماء ناس وأموالهم وإذا لم يختلف أهل العلم أن للرجل بيع عبده قبل مكاتبه ، ودل خبر ابن عباس في قصة عائشة على أنها بيعت بعلم رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم ينكره ، ومن قول عوام أهل العلم : أن المكاتب عبد ما بقي عليه درهم . وإذا كان كذلك فلم يمنع المرء من بيع عبده الذي لو شاء أعتقه ، مع أن خبر بريرة في أمر عائشة مستغنى به عن كل قول . وكان بريرة يقول : يكره الأوزاعي . وقال : لا بأس أن يباع للعتق . [ ص: 506 ] بيع المكاتب قبل عجزه للخدمة