ذكر وجوب قبول البينة بعد اليمين
اختلف أهل العلم في الرجل يقدم خصمه إلى الحاكم فيدعي عليه مالا وينكر خصمه ذلك فيقول المدعي : لي بينة غيب أو حضور ، ولا يمكنني إحضارهم ، وسأل استحلاف خصمه فاستحلفه له الحاكم ثم أتى بالبينة بعد ذلك فكان شريح يقولان : تقبل البينة ، وقال والنخعي شريح: البينة أحق من اليمين الفاجرة ، وبه قال [ ص: 40 ] مالك بن أنس ، والليث بن سعد ، وسفيان الثوري، والشافعي، وأحمد ، وإسحاق ، والنعمان، ويعقوب ، وفيه قول ثان ، وهو أن ، هذا قول البينة لا تقبل بعد يمين المدعى عليه ابن أبي ليلى ، وأبي عبيد، واحتج لقول هذا بعض الناس فقال : لما حكم النبي صلى الله عليه وسلم بالبينة على المدعي واليمين على المنكر فلما كان المدعي لا يستحق المال بدعواه كان المنكر كذلك لا يبرأ من حق المدعي بجحوده ، فإذا أقام المدعي البينة صح قوله وأخذ المال وإذا حلف المدعى عليه برأ نفسه وإذا برأ فلا سبيل إليه ، ولما قال النبي صلى الله عليه وسلم للحضرمي حيث قال له : إنه ليس يبالي ما حلف عليه : "ليس لك إلا ذلك " ولم يقل استحلفه وأنت على حجتك ، وقد أجمعوا أن البينة تقبل قبل يمين المدعى عليه ، واختلفوا في وجوب قبولها بعد استحلاف الحاكم المدعى عليه ولا يجوز قبولها بعد ذلك إلا بحجة ، ومن حجة غيره أن رجلا لو ادعى على رجل أنه غصبه ابنه واستحلفه ، ثم أقام البينة أن قبول ذلك يجب بعد اليمين ولا فرق بين هذا وبين سائر الحقوق . ابن أبي ليلى
قال وقد يجوز أن يفرق مفرق بينهما فيقول : إنما قبلت البينة في هذا ؛ لأن للولد حقا في نفسه وليست السلع كذلك . أبو بكر :
قال ولو قال الطالب للمطلوب : احلف وأنت بريء من المال فحلفه ثم أتى بالبينة وجب قبولها . [ ص: 41 ] أبو بكر :
واختلفوا في قول المدعي : لا بينة لي . ثم يأتي بالبينة فكان النعمان يقول : أقبل بينته . وحكي عن ابن الحسن أنه قال : لا أقبلها . وقال أبو عبيد : ما بال البينة توجب واليمين لا يبرئ منه . هذا حكم يتضاد يختلف ثم أعجب من ذلك أنهم جعلوا لنا اليمين إقرارا ولم يجعلوا أداءها براءة .