964 - حدثنا أبو علي الحسين بن زكريا السكري ، قال : حدثنا قال : حدثنا أحمد [ ص: 1428 ] بن عبد الجبار العطاردي ، ، عن يونس بن بكير قال : حدثني محمد بن إسحاق ، ابن أبي جهم مولى لامرأة من بني تميم ، كانت عند الحارث بن حاطب ، وكان يقال : مولى الحارث بن حاطب ، قال : حدثني من سمع عبد الله بن جعفر بن أبي طالب ، يقول : حليمة بنت الحارث ، أم رسول الله صلى الله عليه وسلم التي أرضعته ، أنها قالت : " قدمت مكة في نسوة من بني سعد بن بكر ، نلتمس بها الرضعات ، وفي سنة شهباء ، فقدمت على أتان لي قمراء ، كانت أذمة الركب ، ومعي صبي لنا ، وشارف لنا ، والله ما ننام ليلنا ذلك أجمع مع صبينا ذلك ، ما يجد في ثديي ما يغنيه ، ولا في شارفنا ما يغذيه ، فقدمنا مكة ، [ ص: 1429 ] فوالله ما علمت منا امرأة إلا وقد عرض عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فإذا قيل : إنه يتيم ، تركناه ، وقلنا : ما عسى أن تصنع إلينا أمه ، إنما نرجو المعروف من أب الولد ، فأما أمه فماذا عسى أن تصنع إلينا ؟ فوالله ما بقي من صواحباتي امرأة إلا أخذت رضيعا غيري ، فلما لم أجد غيره ، قلت لزوجي - الحارث بن عبد العزى - : والله إنى لأكره أن أرجع من بين صواحباتي ، ليس معي رضيع ، لأنطلق إلى ذلك اليتيم ، فلآخذنه ، فقال : لا عليك ، فذهبت ، فأخذته ، فوالله ما أخذته إلا أنى لم أجد غيره ، فما هو إلا أن أخذته ، فجئت به رحلي ، فأقبل عليه ثدياي بما شاء الله من لبن ، فشرب حتى روي ، وشرب أخوه حتى روي ، وقام صاحبي إلى شارفنا تلك ، فإذا إنها لحافل ، فحلب ما شرب وشربت حتى روينا ، فبتنا بخير ليلة ، فقال صاحبي : يا حليمة ؛ والله إنى لأراك قد أخذت نسمة مباركة ، ألم تري ما بتنا به الليلة من الخير حين أخذناه ؟ ! فلم يزل الله عز وجل يزيدنا خيرا ، ثم خرجنا راجعين إلى بلادنا ، فوالله لقطعت أتاني الركب ، حتى ما يتعلق بها حمار ، حتى إن صواحباتي ليقلن : ويحك يا بنت أبي ذؤيب ، أهذه أتانك التي خرجت عليها معنا ؟ ! فأقول : نعم ، والله إنها لهي هي ، فيقلن : والله إن لها لشأنا ! ، حتى قدمنا أرض بني سعد ، وما أعلم أرضا من أرض الله عز وجل أجدب منها ، فإن كانت غنمي لتسرح ، ثم تروح شباعا لبنا ، فنحلب ما شئنا ، وما حولنا أحد تبض له شاة بقطرة لبن ، وإن أغنامهم لتروح [ ص: 1430 ] جياعا ، حتى إنهم ليقولون لرعاتهم : انظروا حيث تسرح غنم ابنة أبي ذؤيب ، فاسرحوا معهم ، فيسرحون مع غنمي حيث تسرح ، فيريحون أغنامهم جياعا ، وما فيها قطرة لبن ، وتروح غنمي شباعا لبنا ، فنحلب ما شئنا .
فلم يزل الله عز وجل يرينا البركة ونتعرفها ، حتى بلغ سنتين ، فكان يشب شبابا لا يشبه الغلمان ، فوالله ما بلغ السنتين حتى كان غلاما جفرا ، فقدمنا به على أمه ، ونحن أضن شيء به ؛ مما رأينا فيه من البركة ، فلما رأته أمه ، قلنا لها : يا ظئر ، دعينا نرجع بابننا هذه السنة الأخرى ، فإنا نخشى عليه أوباء مكة ، فوالله ما زلنا بها حتى قالت : فنعم ، فسرحته معنا ، فأقمنا به شهرين أو ثلاثة ، فبينا هو خلف بيوتنا مع أخ له من الرضاعة ، في بهم لنا .
جاءنا أخوه يشتد ، فقال : أخي ذلك القرشي ، قد جاءه رجلان ، عليهما بياض ، فأضجعاه ، فشقا بطنه ، فخرجت أنا وأبوه نشتد نحوه ، فنجده قائما منتقعا لونه ، فاعتنقه أبوه ، وقال : أي بني ؛ ما شأنك ؟ قال : جاءني رجلان عليهما ثياب بياض ، فأضجعاني ، فشقا بطني ، ثم استخرجا منه شيئا فطرحاه ، ثم رداه كما كان ، فرجعنا به معنا ، فقال أبوه : يا حليمة ، لقد خشيت أن يكون ابني قد أصيب ، انطلقي بنا فلنرده إلى أهله ، قبل أن يظهر به ما نتخوف ، قالت : فاحتملناه ، فلم ترع أمه إلا به ، قد قدمنا به عليها ، فقالت : ما ردكما به ؟ فقد كنتما عليه حريصين ، فقلنا : لا والله [ ص: 1431 ] يا ظئر ، إلا أن الله عز وجل قد أدى عنا ، وقضينا الذي علينا ، وقلنا : نخشى الإتلاف والأحداث ، فقلنا : نرده على أهله .
فقالت : ما ذاك بكما ؟ فأصدقاني شأنكما ، فلم تدعنا حتى أخبرناها خبره فقالت : أخشيتما عليه الشيطان ؟ كلا ، والله ، ما للشيطان عليه سبيل ، وإنه لكائن لابني هذا شأن ، ألا أخبركما خبره ؟ قلنا : بلى .
قالت : حملت به ، فما حملت حملا قط أخف منه ، فأريت في النوم حين حملت به ، كأنه خرج مني نور ، أضاءت له قصور الشام ، ثم وقع حين ولدته وقوعا ما يقعه المولود ؛ معتمدا على يديه ، رافعا رأسه إلى السماء ، فدعاه عنكما . حدثت عن
[ ص: 1432 ]