774 - وأخبرنا [ ص: 1204 ] قال : حدثنا أبو القاسم عبد الله بن محمد بن عبد العزيز البغوي ، قال : حدثنا شيبان بن فروخ ، قال : حدثنا مبارك بن فضالة ، قال : مررت يزيد بن صهيب ، بجابر بن عبد الله ، وهو في حلقة يحدث أناسا ، فجلست إليه ، فسمعته يذكر أناسا يخرجون من النار ، قال : وكنت يومئذ أنكر ذلك ، قال : فقلت : والله ما أعجب من الناس ، ولكن أعجب منكم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يقول الله - عز وجل - : ( يريدون أن يخرجوا من النار وما هم بخارجين منها ولهم عذاب مقيم ) ، فانتهرني أصحابه ، وكان أحلمهم ، فقال : دعوا الرجل ، ثم قال : إنما قال الله - عز وجل - كما قال : ( إن الذين كفروا لو أن لهم ما في الأرض جميعا ومثله معه ليفتدوا به من عذاب يوم القيامة ما تقبل منهم ولهم عذاب أليم * يريدون أن يخرجوا من النار وما هم بخارجين منها ولهم عذاب مقيم ) قال : [ أو ] ما تقرأ القرآن : ( ومن الليل فتهجد به نافلة لك عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا ) .
قال : فإن الله - عز وجل - عذب قوما بخطاياهم ، فإن شاء أن يخرجهم [ ص: 1205 ] أخرجهم ، قال : فلم أكذب به بعد ذلك .
قال - رحمه الله - : محمد بن الحسين
إن أخطأ في تأويله خطأ فاحشا ، خرج به [ عن ] الكتاب والسنة ، وذلك أنه عمد إلى آيات من القرآن نزلت في أهل الكفر ، أخبر الله - عز وجل - : أنهم إذا دخلوا النار أنهم غير خارجين منها ، فجعلها المكذب بالشفاعة في الموحدين ، ولم يلتفت إلى أخبار رسول الله صلى الله عليه وسلم في المكذب بالشفاعة والقرآن يدل على هذا ، فخرج بقوله السوء عن جملة ما عليه أهل الأيمان ، واتبع غير سبيلهم ، قال الله - عز وجل - : ( إثبات الشفاعة أنها إنما هي لأهل الكبائر ، ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا ) .
قال - رحمه الله - : محمد بن الحسين
فكل - رضي الله عنهم - فهو ممن شاقق الرسول وعصاه ، وعصى الله - عز وجل - بتركه قبول السنن ، ولو عقل هذا الملحد وأنصف من نفسه ، علم أن أحكام الله تعالى وجميع ما تعبد به خلقه ، إنما تؤخذ من الكتاب والسنة ، وقد أمر الله - عز وجل - نبيه عليه السلام : أن يبين لخلقه ما أنزله عليه مما تعبدهم به ، فقال جل ذكره : [ ص: 1206 ] ( من رد سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وسنن أصحابه وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون ) .
وقد بين صلى الله عليه وسلم لأمته جميع ما فرض الله - عز وجل - عليهم من جميع الأحكام ، وبين لهم أمر الدنيا وأمر الآخرة ، وجميع ما ينبغي أن يؤمنوا به ، ولم يدعهم جهلة لا يعلمون ، حتى أعلمهم أمر الموت والقبر وما يلقى المؤمن ، وما يلقى الكافر ، وأمر المحشر والوقوف ، وأمر الجنة والنار حالا بعد حال ، يعرفه أهل الحق ، وسنذكر كل باب في موضعه ، إن شاء الله .
اعلموا يا معشر المسلمين ؛ أن أهل الكفر لما دخلوا النار ورأوا العذاب الأليم ، وأصابهم الهوان الشديد ، نظروا إلى قوم من الموحدين معهم في النار فعيروهم بذلك ، وقالوا : ما أغنى عنكم إسلامكم في الدنيا وأنتم معنا في النار ؟ فزاد أهل التوحيد من المسلمين حزنا وغما ، فاطلع الله عز وجل على ما نالهم من الغم بتعيير أهل الكفر لهم ؛ فأذن الله في الشفاعة ، فيشفع الأنبياء والملائكة والشهداء والعلماء والمؤمنون في من دخل النار من المسلمين ، فأخرجوا منها على حسب ما أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على طبقات شتى فدخلوا الجنة ، فلما فقدهم أهل الكفر ودوا حينئذ لو كان مسلمين ، وأيقنوا أنه ليس شافع يشفع لهم ، ولا صديق حميم يغني عنهم من [ ص: 1207 ] عذابهم شيئا .
قال الله - عز وجل - في أهل الكفر لما نضجوا بالعذاب ، وعلموا أن الشفاعة لغيرهم قالوا : ( فهل لنا من شفعاء فيشفعوا لنا أو نرد فنعمل غير الذي كنا نعمل ) الآية .
وقال عز وجل : ( فكبكبوا فيها هم والغاوون * وجنود إبليس أجمعون * قالوا وهم فيها يختصمون * تالله إن كنا لفي ضلال مبين * إذ نسويكم برب العالمين * وما أضلنا إلا المجرمون * فما لنا من شافعين * ولا صديق حميم ) .
وقال عز وجل في سورة المدثر ، وقد أخبر أن الملائكة قالت لأهل الكفر : ( ما سلككم في سقر * قالوا لم نك من المصلين * ولم نك نطعم المسكين * وكنا نخوض مع الخائضين * وكنا نكذب بيوم الدين * حتى أتانا اليقين * فما تنفعهم شفاعة الشافعين ) .
قال - رحمه الله - : محمد بن الحسين
هذه كلها أخلاق الكفار ، فقال عز وجل : ( فما تنفعهم شفاعة الشافعين ) ، فدل على أن لابد من شفاعة ، وأن الشفاعة لغيرهم ، لأهل التوحيد خاصة .
[ ص: 1208 ] وقال عز وجل : ( تلك آيات الكتاب وقرآن مبين * ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين ) .
قال - رحمه الله - : محمد بن الحسين
وإنما يود الكفار أن لو كانوا مسلمين عندما رأوا معهم في النار قوما من الموحدين فعيروهم ، وقالوا : ما أغنى عنكم إسلامكم وأنتم معنا في النار ، فحزنوا من ذلك ، فأمر الله - عز وجل - الملائكة والأنبياء ومن سائر المؤمنين أن يشفعوا فيهم ، فشفعوا ، فأخرج من في النار من أهل التوحيد ، ففقدهم أهل الكفر ، فسألوا عنهم ، فقيل : شفع فيهم الشافعون ، لأنهم كانوا مسلمين ، فعندها ودوا لو كانوا مسلمين حتى تلحقهم الشفاعة . [ ص: 1209 ]