[ ص: 976 ] الجزء السابع
[ ص: 977 ] [ ص: 978 ] 47 - كتاب التصديق بالنظر إلى الله عز وجل
قال رحمه الله : محمد بن الحسين
الحمد لله على جميل إحسانه ودوام نعمه ، حمد من يعلم أن مولاه الكريم يحب الحمد ، فله الحمد على كل حال ، وصل الله على محمد النبي وصحبه أجمعين ، وحسبنا الله ونعم الوكيل .
أما بعد : فإن الله جل ذكره وتقدست أسماؤه ، خلق خلقه كما أراد [ ص: 979 ] لما أراد ، فجعلهم شقيا وسعيدا ، فأما أهل الشقوة فكفروا بالله العظيم ، وعبدوا غيره ، وعصوا رسله ، وجحدوا كتبه ، فأماتهم على ذلك ، فهم في قبورهم يعذبون ، وفي القيامة عن النظر إلى الله تعالى محجوبون ، وإلى جهنم واردون ، وفي أنواع العذاب يتقلبون ، وللشياطين مقارنون ، وهم فيها أبدا خالدون .
وأما أهل السعادة فهم الذين سبقت لهم من الله الحسنى ، فآمنوا بالله وحده ، ولم يشركوا به شيئا ، وصدقوا القول بالفعل فأماتهم على ذلك ، فهم في قبورهم ينعمون ، وعند المحشر يبشرون ، وإلى الجنة بعد ذلك وافدون ، وفي نعيمها يتفكهون ، وللحور العين معانقون ، والولدان لهم يخدمون ، وفي جوار مولاهم الكريم أبدا خالدون ، ولربهم تعالى في داره زائرون ، وبالنظر إلى وجهه الكريم يتلذذون ، وله مكلمون ، وبالتحية لهم من الله تعالى والسلام منه عليهم يكرمون ، ( وفي الموقف إلى الله تعالى بأعينهم ينظرون ، ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم ) .
فإن اعترض جاهل ممن لا علم معه ، أو بعض هؤلاء الجهمية الذين لم يوفقوا للرشاد ، ولعب بهم الشيطان ، وحرموا التوفيق فقال : والمؤمنون يرون الله يوم القيامة ؟
قيل له : نعم ، والحمد لله تعالى على ذلك .
[ ص: 980 ] فإن قال الجهيمي : أنا لا أؤمن بهذا .
قيل له : كفرت بالله العظيم .
فإن قال : وما الحجة ؟
قيل : لأنك رددت القرآن والسنة ، وقول الصحابة رضي الله عنهم وقول علماء المسلمين ، واتبعت غير سبيل المؤمنين ، وكنت ممن قال الله تعالى ( ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا ) .
فأما نص القرآن فقول الله تعالى ( وجوه يومئذ ناضرة * إلى ربها ناظرة ) .
وقال تعالى - وقد أخبرنا عن الكفار أنهم محجوبون عن رؤيته - فقال تعالى ذكره : ( كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون * ثم إنهم لصالو الجحيم * ثم يقال هذا الذي كنتم به تكذبون ) . فدل بهذه الآية : أن المؤمنين ينظرون إلى الله ، وأنهم غير محجوبين عن رؤيته كرامة منه لهم .
[ ص: 981 ] وقال تعالى : ( للذين أحسنوا الحسنى وزيادة ) فروي أن الزيادة هي النظر إلى الله تعالى .
وقال تعالى : ( وكان بالمؤمنين رحيما * تحيتهم يوم يلقونه سلام وأعد لهم أجرا كريما ) .
واعلم رحمك الله أن عند أهل العلم باللغة أن اللقاء هاهنا لا يكون إلا معاينة ، يراهم الله تعالى ويرونه ، ويسلم عليهم ، ويكلمهم ويكلمونه .
قال محمد بن الحسين :
وقد قال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم : ( وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون ) ، فكان مما بينه لأمته في هذه الآيات أنه أعلمهم في غير حديث أنكم ترون ربكم تعالى ، روى عنه جماعة من صحابته رضي الله عنهم ، وقبلها العلماء عنهم أحسن القبول كما قبلوا عنهم علم الطهارة والصلاة والزكاة والصيام والحج والجهاد ، وعلم الحلال والحرام ، كذا قبلوا ) منهم الإخبار أن المؤمنين يرون الله تعالى ، لا يشكون في ذلك ، ثم [ ص: 982 ] قالوا : من رد هذه الأخبار فقد كفر .