المبحث الثاني : في معنى النهي الحقيقي
اختلفوا في ، فذهب الجمهور إلى أن معناه الحقيقي هو التحريم ، وهو الحق ، ويرد ويرد فيما عداه مجازا ، كما في قوله صلى الله عليه وآله وسلم معنى النهي الحقيقي فإنه للكراهة ، وكما في قوله تعالى : لا تصلوا في مبارك الإبل ربنا لا تزغ قلوبنا فإنه [ ص: 332 ] للدعاء ، وكما في قوله تعالى : لا تسألوا عن أشياء فإنه للإرشاد ، وكما في قول السيد لعبده الذي لم يمتثل أمره : لا تمتثل أمري ، فإنه للتهديد ، وكما في قوله تعالى : ولا تمدن عينيك فإنه للتحقير ، وكما في قوله تعالى : ولا تحسبن الله غافلا فإنه لبيان العاقبة ، وكما في قوله تعالى : لا تعتذروا اليوم فإنه للتأييس ، وكما في قولك لمن يساويك : لا تفعل ، فإنه للالتماس .
والحاصل أنه يرد يرد مجازا لما ورد له الأمر ، كما تقدم ، ولا يخالف الأمر إلا في كونه يقتضي التكرار في جميع الأزمنة ، وفي كونه للفور ، فيجب ترك الفعل في الحال .
قيل : ويخالف الأمر أيضا في كون تقدم الوجوب قرينة دالة على أنه للإباحة ، ونقل ونقل الأستاذ الإجماع على أنه لا يكون تقدم تقدم الوجوب قرينة للإباحة ، وتوقف أبو إسحاق الإسفرائيني الجويني في نقل الإجماع ، ومجرد هذا التوقف لا يثبت له في نقل الأستاذ .
واحتج القائلون بأنه حقيقة في التحريم : بأن العقل يفهم الحتم من الصيغة المجردة عن القرائن وذلك دليل الحقيقة .
واستدلوا أيضا باستدلال السلف بصيغة النهي المجردة على التحريم .
وقيل : إنه حقيقة في الكراهة ، واستدلوا على ذلك بأن النهي إنما يدل على مرجوحية المنهي عنه ، وهو لا يقتضي التحريم .
وأجيب : بمنع ذلك ، بل السابق إلى الفهم عند التجرد هو التحريم .
وقيل مشترك بين التحريم والكراهة ، فلا يتعين أحدهما إلا بدليل ، وإلا كان جعله لأحدهما ترجيحا من غير مرجح .
وقالت الحنفية : إنه يكون للتحريم إذا كان الدليل قطعيا ، ويكون للكراهة إذا كان الدليل ظنيا .
[ ص: 333 ] ورد ورد بأن النزاع إنما هو في طلب الترك الترك ، وهذا طلب قد يستفاد بقطعي فيكون قطعيا ، وقد يستفاد بظني فيكون ظنيا .