[ ص: 222 ] فرع آخر : في قبول الجرح والتعديل من دون ذكر السبب
هل يقبل الجرح والتعديل من دون ذكر السبب أم لا ؟
فذهب جماعة إلى أنه لا بد من ذكر السبب فيهما ، وذهب آخرون إلى أنه لا يجب ذكر السبب فيهما إذا كان بصيرا بالجرح والتعديل ، واختار هذا القاضي أبو بكر ، وذهب جماعة إلى أنه يقبل التعديل من غير ذكر السبب ، بخلاف الجرح فلا يقبل إلا بذكر السبب لأن أسباب التعديل كثيرة فيشق ذكرها ، بخلاف الجرح فإنه يحصل بأمر واحد ، وأيضا سبب الجرح مختلف فيه بخلاف سبب التعديل ، أو إلى هذا ذهب . الشافعي
قال القرطبي وهو الأكثر من قول مالك قال الخطيب وذهب إليه الأئمة من حفاظ الحديث ونقاده كالبخاري ومسلم .
وذهب جماعة إلى أنه يقبل الجرح من غير ذلك السبب ، ولا يقبل التعديل إلا بذكر السبب ، قالوا : لأن مطلق الجرح يبطل الثقة ، ومطلق التعديل لا يحصل الثقة ; لتسارع الناس إلى الظاهر .
والحق أنه لا بد من ذكر السبب في الجرح والتعديل ; لأن الجارح والمعدل قد يظنان ما ليس بجارح جارحا ، وقد يظنان ما لا يستقل بإثبات العدالة تعديلا ، ولا سيما مع اختلاف المذاهب في الأصول والفروع ، فقد يكون ما أبهمه الجارح من الجرح هو مجرد كونه على غير مذهبه ، وعلى خلاف ما يعتقده ، وإن كان حقا ، وقد يكون ما أبهمه من التعديل هو مجرد كونه على مذهبه ، وعلى ما يعتقده ، وإن كان في الواقع مخالفا للحق ، كما وقع ذلك كثيرا .
وعندي أن الجرح المعمول به هو أن يصفه بضعف الحفظ ، أو بالتساهل في الرواية ، أو بالإقدام على ما يدل على تساهله بالدين ، والتعديل المعمول به هو أن يصفه بالتحري في الرواية ، والحفظ لما يرويه ، وعدم الإقدام على ما يدل على تساهله بالدين ، فاشدد على هذا يديك تنتفع به عند اضطراب أمواج الخلاف .
فإن قلت : إذا ورد الجرح المطلق ، كقول الجارح ليس بثقة ، أو ليس بشيء ، أو هو ضعيف ، فهل يجوز العمل بالمروي مع هذا أم لا ؟
[ ص: 223 ] قلت : يجب حينئذ التوقف حتى يبحث المطلع على ذلك على حقيقة الحال في مطولات المصنفات في هذا الشأن كتهذيب الكمال للمزي وفروعه ، وكذا تاريخ الإسلام وتاريخ النبلاء والميزان للذهبي .