[ ص: 121 ] الفصل الثاني :
في حكم ما نقل آحادا
اختلف في المنقول آحادا هل هو قرآن أم لا ؟
فقيل : ليس بقرآن ; لأن القرآن مما تتوفر الدواعي على نقله ، لكونه كلام الرب سبحانه ، وكونه مشتملا على الأحكام الشرعية ، وكونه معجزا ، وما كان كذلك فلا بد أن يتواتر ، فما لم يتواتر ليس بقرآن .
هكذا قرر أهل الأصول دليل التواتر ، وقد ادعى تواتر كل واحدة من القراءات السبع ، وهي قراءة أبي عمرو ونافع وعاصم وحمزة والكسائي وابن كثير وابن عامر دون غيرها ، وادعى أيضا تواتر القراءات العشر ، وهي هذه مع قراءة يعقوب وأبي جعفر وخلف ، وليس على ذلك أثارة من علم فإن هذه القراءات كل واحدة منها منقولة نقلا آحاديا ، كما يعرف ذلك من يعرف أسانيد هؤلاء القراء لقراءاتهم ، وقد نقل جماعة من القراء الإجماع على أن في هذه القراءات ما هو متواتر ، وفيها ما هو آحاد ، ولم يقل أحد منهم بتواتر كل واحدة من السبع ، فضلا عن العشر ، وإنما هو قول قاله بعض أهل الأصول ، وأهل الفن أخبر بفنهم .
[ ص: 122 ] والحاصل : أن ، وما اختلفوا فيه ، فإن احتمل رسم المصحف قراءة كل واحد من المختلفين مع مطابقتها للوجه الإعرابي ، والمعنى العربي ، فهي قرآن كلها ، وإن احتمل بعضها دون بعض ، فإن صح إسناد ما لم يحتمله ، وكانت موافقة للوجه الإعرابي ، والمعنى العربي ، فهي الشاذة ولها حكم أخبار الآحاد في الدلالة على مدلولها ، وسواء كانت من القراءات السبع أو من غيرها . ما اشتمل عليه المصحف الشريف ، واتفق عليه القراء المشهورون فهو قرآن
وأما ما لم يصح إسناده مما لم يحتمله الرسم فليس بقرآن ، ولا منزل منزلة أخبار الآحاد .
أما انتفاء كونه قرآنا فظاهر ، وأما انتفاء تنزيله منزلة أخبار الآحاد ، فلعدم صحة إسناده ، وإن وافق المعنى العربي ، والوجه الإعرابي ، فلا اعتبار بمجرد الموافقة مع عدم صحة الإسناد ، وقد صح أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أخبر بأن القرآن أنزل على [ ص: 123 ] سبعة أحرف ، وصح عنه صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال : جبريل على حرف فلم أزل أستزيده حتى أقرأني على سبعة أحرف ، والمراد بالأحرف السبعة : لغات العرب ؛ فإنها بلغت إلى سبع لغات ، اختلفت في قليل من الألفاظ ، واتفقت في غالبها ، فما وافق لغة من تلك اللغات فقد وافق المعنى العربي والإعرابي ، وهذه المسألة محتاجة إلى بسط تتضح به حقيقة ما ذكرنا ، وقد أفردناها بتصنيف مستقل فليرجع إليه . أقرأني
وقد ذكر جماعة من أهل الأصول في هذا البحث ما وقع من الاختلاف بين القراء في البسملة ، وكذلك ما وقع من الاختلاف فيها بين أهل العلم . هل هي آية من كل سورة ، أو آية من الفاتحة فقط ، أو آية مستقلة أنزلت للفصل بين كل سورتين ، أو ليست بآية ، ولا هي من القرآن ؟ وأطالوا البحث في ذلك ، وبالغ بعضهم فجعل هذه المسألة من مسائل الاعتقاد ، وذكرها في مسائل أصول الدين .
والحق أنها آية من كل سورة لوجودها في رسم المصاحف ، وذلك هو الركن الأعظم في إثبات القرآنية للقرآن ، ثم الإجماع على ثبوتها خطا في المصحف في أوائل السورة ، ولم يخالف في ذلك من لم يثبت كونها قرآنا من القراء وغيرهم .
وبهذا الإجماع حصل الركن الثاني وهو النقل مع كونه نقلا إجماعيا بين جميع الطوائف .
وأما الركن الثالث : وهو موافقتها للوجه الإعرابي والمعنى العربي فذلك ظاهر .
إذا تقرر لك هذا علمت أن نفي كونها من القرآن مع تسليم وجودها في الرسم مجرد دعوى غير مقبولة ، وكذلك دعوى كونها آية واحدة أو آية من الفاتحة مع تسليم [ ص: 124 ] وجودها في الرسم في أول كل سورة ، فإنها دعوى مجردة عن دليل مقبول تقوم به الحجة .
وأما ما وقع من الخلاف في كونها تقرأ في الصلاة ، أو لا تقرأ ؟ وعلى القول بكونها تقرأ هل يسر بها مطلقا أو تكون على صفة ما يقرأ بعدها من الإسرار في السرية والجهر في الجهرية ؟ فلا يخفاك أن هذا خارج عن محمل النزاع ، وقد اختلفت الأحاديث في ذلك اختلافا كثيرا ، وقد بسطنا القول في ذلك في رسالة مستقلة ، وذكرنا في شرح المنتقى ما إذا رجعت إليه لم تحتج إلى غيره .