[ ص: 643 ] الفصل الخامس
فيما لا يجري فيه القياس
فمن ذلك الأسباب
وقد اختلفوا في ذلك :
فذهب أصحاب أبي حنيفة ، وجماعة الشافعية ، وكثير من أهل الأصول إلى أنه لا يجري فيها .
وذهب جماعة من أصحاب إلى أنه يجري فيها . الشافعي
ومعنى القياس في الأسباب : أن يجعل الشارع وصفا سببا لحكم ، فيقاس عليه وصف آخر ، فيحكم بكونه سببا .
وذلك نحو جعل الزنا سببا للحد ، فيقاس عليه اللواط في كونه سببا للحد .
احتج المانعون بأن علية سببية المقيس عليه ، وهي قدر من الحكمة ، يتضمنها الوصف الأول منتفية في المقيس ، وهو الوصف الآخر ؛ أي لم يعلم ثبوتها فيه لعدم انضباط الحكمة ، وتغاير الوصفين ، فيجوز اختلاف الحكمة الحاصلة بهما ، وإذا كان كذلك امتنع الجمع بينهما في الحكم ، وهو السببية; لأن معنى القياس الاشتراك في العلة ، وبه يمكن التشريك في الحكم .
وأيضا : الحكمة المشتركة إما أن تكون ظاهرة منضبطة ، يمكن جعلها مناطا للحكم أو لا تكون .
فعلى الأول : قد استغنى القياس عن الالتفات إلى الوصفين ، وصار القياس في الحكم المترتب على الحكمة ، وهي الجامع بينهما ، فاتحد الحكم والسبب ، وهو خلاف المفروض .
وعلى الثاني : فإما يكون لها مظنة ، أي وصف ظاهر منضبط ، تنضبط هي به أو لا ، فعلى الأول صار القياس في الحكم المترتب على ذلك الوصف ، فاتحد الحكم والسبب أيضا .
وعلى الثاني : لا جامع بينهما من حكمة أو مظنة ، فيكون قياسا خاليا عن الجامع ، وهو لا يجوز .
[ ص: 644 ] واحتج القائلون بالجواز : بأنه قد ثبت القياس في الأسباب ، وذلك كقياس المثقل على المحدد في كونه سببا للقصاص ، وقياس اللواطة على الزنا في كونها سببا للحد .
وأجيب : بأن ذلك خارج عن محل النزاع; لأن النزاع إنما هو فيما تغاير فيه السبب في الأصل والفرع ، أي الوصف المتضمن للحكمة ، وكذا العلة ، وهي الحكمة ، وها هنا السبب سبب واحد ، يثبت لهما ، أي لمحلي الحكم ، وهما الأصل والفرع بعلة واحدة ، ففي المثقل والمحدد السبب هو القتل العمد العدوان ، والعلة الزجر لحفظ النفس ، والحكم القصاص ، وفي الزنا واللواطة السبب إيلاج فرج في فرج محرم شرعا ، مشتهى طبعا ، والعلة الزجر لحفظ النسب ، والحكم وجوب الحد .
وهذا الجواب لا يرد على الحنفية المانعين من القياس في الأسباب; لأنهم لا يقولون بالقصاص في المثقل ، ولا بالحد في اللواطة ، وإنما يرد من قال بمنع القياس في الأسباب من الشافعية ، فإنهم يقولون بذلك .
قال المحقق السعد : والحق أن رفع النزاع بمثل ذلك ، يعني بكونه ليس محل النزاع ممكن في كل صورة ، فإن القائلين بصحة القياس في الأسباب لا يقصدون إلا ثبوت الحكم بالوصفين; لما بينهما من الجامع ، ويعود إلى ما ذكرتم من اتحاد الحكم والسبب .