على مسافة 40 كلم جنوبي بيروت ، تقع صيدا عاصمة الجنوب " بكر كنعان " حسبما ورد في التوراة ( سفر التكوين، 10/15) وهي إحدى أهم المدن وأكثرها شهرة في العصور القديمة.
ومنذ أن تأكد للمرة الأولى ، في الألف الثاني ق . م ، لم يتبدل اسم المدينة، ويحتمل أنه مشتق من الجذر (ص ي د) الذي يعني " اصطاد " وفي الروايات التوراتية والهوميرية، استخدمت عبارة "صيدونيون " للدلالة على سكان الشاطئ الفينيقي .
مع بداية الفتح الإسلامي ، تصبح صيدا مدينة إسلامية ، وتشهد شيئاً من الازدهار .. وبعد أن احتلها الصليبيون (1110م) ، بقيت تحت سيطرتهم حتى سقوطها( 1187م) بيد صلاح الدين الأيوبي ، حيث تحولت إلى ميناء مهم لدمشق ، وباتت ، بسبب ذلك من المراكز الاستراتيجية المتنازع عليها .
وقد تمكن الصليبيون من استعادتها ( 1197م) . فبقيت في حوزتهم حتى سنة 1291م عندما حررها المماليك وأقاموا فيها العديد من الآثار الباقية حتى اليوم .
أهم المعالم الأثرية في صيدا
- معبد أشمون الذي يقع على مسافة 3 كلم شمالي شرقي المدينة .
- تلة المريق ، وهي تلة اصطناعية تقع جنوبي قلعة المعزّ .
- القلعة البحرية القريبة من جامع الزعتري . أقيمت هذه القلعة فوق صخرة ناتئة في البحر ( جزيرة صغيرة ) ، على مسافة ثمانين متراً من الشاطئ ، بحيث أنها تؤمن الحماية للمدافعين عنها ضد العمليات العسكرية البحرية المعادية ، وتشكل، في الوقت نفسه ، جسراً يمكنهم من الاتصال بمصادر دعمهم وإمداداتهم في الغرب .
وشيدت هذه القلعة ، ما بين سنتي ـ 1227م ـ 1228 م ، على أيدي جماعات تنتمي إلى الحملة الصليبية السادسة ، واستخدمت في بنيانها الحجارة المنحوتة ( الجاهزة) وجذوع الأعمدة ( الموضوعة عرضيا داخل الجدران ) التي أخذت من بين أنقاض ما تهدم من أبنية قديمة يعود بعضها إلى العصر الروماني.
والقلعة، الواقعة داخل البحر، ترتبط بالشاطئ بواسطة ممر أو جسر ـ رمم حديثا ـ يقوم على عقود تستند أطرافها إلى ركائز حجرية ضخمة ، و يفترض أنه كان ، فيما مضى، ينتهي ، عند طرفه المقابل لمدخل القلعة ، بقنطرة خشبية ( معبر ) متحركة يمكن رفعها، أو تدميرها ، عند الضرورة ، لعزل القلعة عن البر والحؤول دون وصول المهاجمين إليها .
أما المسجد الصغير ، داخل القلعة ، فبني فوق ما تبقى من البرج الصليبي، الشمالي الشرقي، وهو عبارة عن غرفة مستطيلة التصميم ، مقببة يتصدرها محراب يلاحظ من الخارج .
والقلعة ، على ما هي عليه الآن ، باتت شاهدا بارزاً عل ما عرفته صيدا ، خلال تاريخها الوسيط ، من صراعات وحروب مدمرة، وتحولت شعاراً ورمزاً للمدينة ، لما فيها من دلالات تمثلت في البناء نفسه وفي أعمال الترميم اللاحقة ( بخاصة أيام الأمير فخر الدين )
القلعة البرية . شيدت فوق التل القديم المشرف على المدينة ، من الجهة الجنوبية ، على أنقاض قلعة تعود إلى العصر الفاطمي ، ويعرف هذا الحصن عند أهالي صيدا ، وفي بعض المراجع العربية ، باسم قلعة " المعز" نسبة إلى الخليفة الفاطمي " المعز لدين الله " الذي حصنها ورممها .
الأبنية الإسلامية
أينما توجهت في صيدا ، تقع عينك على آثار إسلامية متمثلة بمساجد أو مقامات ، أهمها الجامع العمري الكبير الذي يقع غربي المدينة ، على شاطئ البحر ، ويشبه ، بمنظره العام، القلاع الحصينة .
هذا البناء كان ، في الأصل ، قاعة اجتماعات لفرسان القديس يوحنا المعمدان ، حوالي سنة 1260 م ، وبقي على هذه الحال حتى سنة 1291م ، عندما حولها المماليك إلى الجامع عرف باسم الجامع العمري الكبير.
المسجد عبارة عن بناء مستطيل الشكل ، مدعم من الخارج بدعائم حجرية عريضة لاصقة ، وله مدخلان : شمالي وهو الأساسي ـ يؤدي مباشرة إلى الصحن المحاط بالقناطر من جميع الجهات ، وشرقي مستحدث .
قاعة الصلاة الحالية ما زالت تحتفظ بالجدران الأربعة للبناء القديم ، ولكن يلاحظ ، داخل الجدار الجنوبي ، وجود محرابين : الأول كبير مزين بالرخام الملون، والثاني إلى يساره ، أصغر منه قياسا بني من الرخام الأبيض، يتوسطهما منبر حديث العهد .
عند الخروج من قاعة الصلاة يشاهد الزائر مئذنة ذات أسطواني مبنية بالحجر الرملي . تجدر الإشارة هنا إلى أن المسجد تعرض للقصف والتدمير أثناء الاجتياح الإسرائيلي للبنان ( 1982م)، فأعيد بناء ما تهدم منه .
وإذا ما تابعنا التجول في المدينة ، نشاهد أكثر من جامع ، أهمها :
- جامع باب السراي : الواقع إلى الشرق من ساحة باب السراي ، داخل صيدا القديمة ، ويعتبر هذا البناء أقدم مساجد صيدا استنادا إلى التاريخ ( 598هـ/1201م) المنقوش على لوح حجري يعلو مدخله الرئيسي .
جامع البحر : ويقع شمالي المدينة ، ويشرف مباشرة على مينائها ، وشيد سنة 1373م وفق ما هو مثبت على لوحة منقوشة فوق المدخل الرئيسي للمسجد.
جامع قطيش : ويقع داخل صيدا القديمة ، إلى الشمال من ساحة المصلبية، وبني سنة 1592م.
- جامع الكيخيا : ويقع إلى الشمال من مسجد قطيش ، قرب مقهى " القزاز " داخل صيدا القديمة ، واعتمد في بنائه الطراز المعماري العثماني .
وإلى جانب المساجد القديمة والحديثة ، والمنتشرة في مختلف أنحاء مدينة صيدا، هناك عدد كبير من المقامات المرتبطة بأحداث تاريخية مختلفة ، وأهمها :
- مقام صيدون : في منتصف نزلة صيدون ، المتفرعة من شارع رياض الصلح ولهذا المقام أهمية لدى المسلمين واليهود على السواء لاعتقادهم أن صيدون هو نفسه (( زبلون )) بن يعقوب .
- مقام النبي يحيي : في منطقة حارة صيدا.
- مقام أبي روح الكلاعي : وينسب إلى أحد صحابة الرسول صلى الله عليه وسلم ويقع جنوبي غربي المدينة ، قرب المسلخ .
- مقام شرحبيل بن حسنة : القائد الإسلامي الشهير الذي توفي في صيدا ، ودفن في المنطقة المعروفة حاليا باسمه .
المرافق العامة
الأسواق : أكثر ما يشد الزائر ،في مدينة صيدا ،هو الأسواق القديمة، التي تقع مباشرة جنوبي شرقي المرفأ ، ولا تزال ، إلى اليوم، تعكس بعض ملامح الحياة في العصور الوسطى ، فهي تعج دائما بالحياة والحركة على الرغم من منافسة الأسواق والمباني الحديثة لها . فهي عبارة عن زاوريب متعرجة ، معقودة السقوف ، تزدحم فيها على الجانبين دكاكين العطارين وباعة الفاكهة والأسماك ، إلى الحرفيين متعددي المهن ، من حدادين ونحاسين ... خليط متنافر ، متباين ، تمتزج فيه أصوات الباعة والمارة مع أصوات الموسيقي والأغاني المنبعثة من هنا وهناك .
الحمامات والخانات :
الحمامات ظاهرة شائعة وبارزة في المدن الإسلامية.
كانت كثيرة ومنتشرة في صيدا ، ولكن لم يبق منها إلا القليل ، وهي ، على كل حال ، متوقفة عن العمل ، وأهمها :
- حمام السوق : ويقع داخل أسواق صيدا القديمة ، ويتكون من فناء واسع تحيط به غرف عديدة للاستحمام، ويغلب على بنائه الطابع العثماني .
حمام الورد : ويقع قرب المدخل الرئيسي للجامع العمري الكبير ويعود بناؤه إلى الفترة العثمانية ،وتحديدا إلى سنة 1728م . يمزج بين ملامح العمارة العثمانية والفن الإيطالي، وهو يعمل في فصل الشتاء .
حمام الشيخ :ويقع داخل صيدا القديمة ، مقابل جامع الكيخيا ويمتاز برحابة غرفه ومغاطسه الجميلة وهو حاليا مقفل ومتوقف عن العمل .
خان الفرنج : وهو أهم المرافق الإسلامية الباقية في مدينة صيدا . بناه الأمير فخر الدين ، مع خانات أخرى ، لاستقبال التجار والبضائع . يقع إلى الشمال الغربي من مدينة صيدا القديمة ، قرب المرفأ .تبلغ مساحته ـ مع البيت القنصلي
حوالي خمسة آلاف متر مربع ، ويتوسطه فناء مربع مزود بحوض ماء ، وهو عبارة
بناء مستطيل مؤلف من طابقين : أرضي مخصص لتخزين البضائع ، و أحيانا للدواب ، شأنه في ذلك شأن الخانات الإسلامية وعلوي للنزلاء من تجار ومسافرين .
- الكاتب:
مجلة "العالم ":العدد ( 32). - التصنيف:
من ذاكرة التاريخ