يشكل الإعلام في واقعنا المعاصر عصب الحياة، ولا ينكر أحد مدى الانتشار الواسع للبث الإعلامي، وتجاوزه لجميع الحدود وتخطيه أقصى المسافات، وأصبح أثره واضحًا على كافة الأصعدة.. وأكثرها وضوحًا الواقع الاجتماعي والقيمي الذي يشكل ثقافة المجتمع وعقائد أهله.
ولا شك أن طبقة الشباب من الطبقات المستهدفة لجميع الجهات، إذ لا يخفى ما لهذه الفئة من تأثير على مجتمعاتها وبالتالي على مكانة بلادهم – سلبًا أو إيجابًا – في الواقع المعاش. فكان التركيز على الشباب من جهة الأعداء لتشويه الفكر وتحريف المعتقد وتهميش الدور وتفريغ الفاعلية، أمرًا مبيتًا ثم صار واقعًا محسوسًا لمس الجميع أثره.
وكان المفترض أيضًا أن يكون تركيز وسائلنا الإعلامية – وعلى رأسها الفضائيات العربية – على هذه الفئة الخطيرة، والهشة في آن، كبيرًا لإصلاحها وتنشئتها بعناية فائقة أمام دور هذه الوسائل الفعالة.. وهو ما لم يحدث للأسف الشديد.
ومن خلال (السلطة الناعمة) أو ما يسمى بالسلطة الرمزية، أو من خلال الإعلام الموجه، تمكن الغرب من تكوين نخبة متشبعة بقيمه ومبادئه في الأجيال السابقة وأصبحت تتحكم في كثير من مواقع النفوذ والتأثير في بلادنا وعلى رأسها السلطة الإعلامية التي آتت ثمارها في واقع الشباب على طول رقعة الوطن العربي.
وتقول دراسة للـ"يونيسيف" إن الشباب المراهق يقبل على المسلسلات الأجنبية والرياضة. وتقول: "إن أكثر البرامج التي تلاقي استحسان المراهقين هي الأفلام والمسلسلات وبرامج المنوعات والفيديو كليب, تليها بعض البرامج الأخرى. وهم نادراً ما يشاهدون النشرات الإخبارية أو أية برامج دينية أو ثقافية جادة".
ويشاهد مراهقو إحدى بلادنا العربية عدداً قياسياً من الأفلام أسبوعياً, يراوح بين ثلاثة وستة أفلام. وقال 80 في المئة من مراهقي ذلك القطر الذين شملتهم الدراسة إنهم يستقون جانباً كبيراً من معلوماتهم عن الجنس من تلك الأفلام, بل قال 64 في المئة إنهم يشاهدون الأفلام بغرض مشاهدة لقطات الجنس.
فماذا قدمت فضائياتنا لقضايا الشباب؟
إن نظرة فاحصة إلى فضائياتنا العربية ومدى الحيز الذي تحتله قضايا الشباب فيها يصيب الغيورين بخيبة أمل. فنظرة هذه المحطات إلى قضايا الشباب نظرة استهلاكية وسطحية لا تتصور قضايا الشباب – في أغلب طروحاتها – خارج الموسيقى والرقص والفن والرياضة وما شابه ذلك، وبرامج تليفزيون الواقع تشهد بذلك، وليست "ستار أكاديمي" وحدها التي تغرد نشازا في هذا المضمار وإنما هي حلقة في سلسلة يمكن أن تكون مفرغة أي لا نهاية لها تتعامل مع الشباب وعقولهم وتنظر إليهم تلك النظرة الاستهلاكية.. بينما الحقيقة أن للشباب قضايا حقيقية غائبة عن اهتمامات تلك الفضائيات.
يجب أن تعطى الفضائيات قضايا الشباب اهتمامًا حقيقيًا، ومن الإجحاف أن تكون نظرة فضائيات لفتياتنا هي نفس نظرة الغرب لبناته ونسائه، فالتعامل مع المرأة على أنها سلعة أو جسد أو كمادة ملازمة للإعلان – كما هو واقع فضائياتنا – إنما هي نظرة مستوردة من الغرب بعيدة عن تراثنا كل البعد، فالمرأة عندنا محترمة مكرمة مصانة، وتعامل إعلامنا معها بالنظرة الغربية هو إهانة لها قبل أن يكون خرقًا للدين والقيم، وقبل أن يكون مسخًا للعقل المتلقي من شبابنا وفتياتنا. بحيث يصبح النموذج المحتذى لدى فتياتنا فقط نموذجًا لموديل شهير ومثير، أو مسخًا لراقصة أو ممثلة مشهورة، في ظل غياب تقديم القدرات الصالحة.
تكاد تجمع الآراء على تجاهل الفضائيات للقضايا الحقيقة للشباب خصوصًا التي لها علاقة بنظم الحكم كمشكلات البطالة على سبيل المثال، والتضخم الذي يؤدي إلى تأخير سن الزواج في الوقت الذي يعرض أمامه مغريات الحياة، ويطالب في الوقت ذاته بالصبر أمامها والبعد عنها وعدم الوصول إليها.. وكذلك معالجة القصور في الحضور الشبابي في كافة الأصعدة السياسية المؤثرة وهذا القصور يزيد عناءه ومعاناته وسخطه وتمرّده وشعوره بأن الواقع ظلمه، وحال بينه وبين حقوقه في متع الحياة، فيولّد هذا الشعور الاضطراب النفسي والقلق والتوتر والاكتئاب والإحباط... وقد يعيش الشاب حالة من التناقض الصارخ والصراع الداخلي والانفصام، في محاولته الفاشلة للتوفيق بين شهواته ومتعه وبين قيمه الدينية والأخلاقية. وقد يعمد إلى التلفيق لتبرير تصرفاته المسيئة للمجتمع، وينزلق أكثر فأكثر إلى طريق الخطيئة ويغرق في عواصف الحياة التي قد تورده المهالك.
وختاما نقول: إن هذه الظاهرة تدعو الغيورين على هذا الجيل إلى التأمل والمراجعة وإعادة النظر فيما تبثه تلك الفضائيات؛ حتى لا تكون العاقبة في النهاية هي الخلل والإخفاق.
ونتسائل هاهنا: إلى أي حد نتوقع من جيل يعامل هذه المعاملة أن يسهم في مشروع الإصلاح والبناء المناط به؟ وهل مثل هؤلاء على مستوى التحديات التي تواجه الأمة اليوم؟!