التربية الإسلامية منهج شامل متكامل ، التكامل الذي يتميز به الإسلام في جميع مجالاته ، ولأجل نجاح التربية هناك عدد من العوامل المهمة المؤثرة في هذا الجانب نذكر منها ما يلي :
أولاً: تطهير المجتمع من المظاهر الفاسدة:
يقول الله تعالى: (لا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعاً عَلِيماً)[النساء:148]. لأن إعلان الفساد يولد نوعًا من تعوده، وعدم الخجل منه، ولذلك لعن الله من يشيعون الفاحشة: (إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ)[النور:19]. وأضاف إلى إخفاء الفساد: التعاون على إزالته إذا ظهر، فكانت فريضة النهي عن المنكر.
عن أبي بكر قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان".[رواه مسلم].
ولقد جعل الله حدودًا شرعية على أشكال من الفساد معينة مثل الزنا والسرقة.. بل وعلى من يسعى في الفساد؛ قال تعالى: (إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأرْضِ فَسَاداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الأرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ)[المائدة:33].
ثانيًا: قيام جميع مؤسسات المجتمع بدورها التربوي:
وعلى رأسها مؤسسة الإعلام والسينما والمسرح والتليفزيون والإذاعة، ومؤسسة الصحافة من مجلة وصحيفة دورية، ومؤسسة الثقافة من كتاب وديوان شعر وقصة وغيرها.
(إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً)[الإسراء:36].
ومن الغريب أننا نُعَلِّم التلاميذ أشياء لو حُذِفت من المنهج الدراسي لما ترتب عليها أي شرٍّ في المستقبل، ولا نُعلِّمهم التربية الأخلاقية التي يترتب على حذفها معظم الشرور في الحاضر والمستقبل.
وكذلك الأسرة أو البيت من أهم المؤسسات الاجتماعية للتربية الأخلاقية، لكن لا يمكن أن يقوم البيت بوظيفته ولا يكون مدرسةً للتربية الأخلاقية؛ إذا جهل الآباء والأمهات طرق تربية أولادهم، ولهذا يجب تعليم الآباء والأمهات التربية الأخلاقية أولاً؛ لأنها من أهم وظائف الآباء.
ولكن هل نستطيع أن نجعل كل الآباء والأمهات خبراء في التربية الأخلاقية؛ لتكون الأسرة المدرسة الأولى لهذه التربية، كما تكون المدرسة مدرسة ثانية فيها؟ إن ذلك لا يمكن إلا بعد تربية الآباء والمعلمين على حد سواء، وتعليمهم – أيضًا – كيف يربون بهذه التربية.
وهذا ما يقرره الدكتور الكسيس كاريل – أيضًا – الذي يرى أنه يجب أن تبدأ التربية من تربية الآباء والمعلمين، لأنهم لا يستطيعون أن يربوا إذا هم لم يَتَربوا قبل ذلك.
ثالثًا: التشجيع على اللعب كوسيلة تربوية وليس للترفيه فقط:
حيث أنه وسيلة طبيعية لاستنفاد الطاقة الزائدة عن الحاجة، وخاصة الطاقات الشهوية. يقول السير بوسيه: "إن الشهوات كالنهر المتدفق من علوٍ، عسيرٌ إيقاف تياره بسد مجراه؛ ولكن من الميسور تحويل مجراه".
واللعب وسيلة لإظهار المواهب والقدرات؛ ليتعرف عليها المربي لينميها عند الطفل. واللعب وسيلة للترفيه الذي هو شكل من أشكال الترويح عن النفس كنوع من التنفيس والخروج عن ضغط الجدية.
يقول الإمام الغزالي: "وينبغي أن يؤذن للطفل بعد الانصراف من المكتب "المدرسة" أن يلعب لعبًا جميلاً يستريح إليه من تعب المكتب، بحيث لا يتعب من العلم، فإن منع الصبي من اللعب وإرهاقه في التعليم دائمًا يميت قلبه ويبطل ذكاءه، وينغص عليه العيش حتى يطلب الحيلة في الخلاص منه".
واللعب وسيلة تدريبية على كثير من القيم التربوية مثل: الشجاعة والنظام وقوة الاحتمال وروح الإنصاف.
ونهى الإسلام عن الألعاب الضارة وبيَّن أثرها: (إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأنْصَابُ وَالأزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)[المائدة:90]. وقال صلى الله عليه وسلم عن سليمان بن بريدة عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من لعب بالنردشير فكأنما صبغ يده في لحم خنزير ودمه".[رواه مسلم].
والنردشير هو: لعبة تسمى الطاولة في مصر.. والنرد هو: الزهر، وتتأكد حرمته إذا كان فيه قمار.
الصحبة الصالحة ذات تأثير في التربية:
يقول أبو حامد الغزالي: "وأصل تأديب الصبيان الحفظ من قرناء السوء".
والأساس في ذلك أن طبيعة الطفل مرنة تقبل التشكيل والتطبع بسرعة عن طريق تفاعلها مع البيئة المحيطة به، وهذا من أهم العوامل المساعدة للتربية الأخلاقية في نظر التربية الحديثة، ولهذا فإن وُضع الطفل في بيئة صالحة يتطبع بالصلاح بسرعة، وإذا وُضع في بيئة فاسدة يتطبع بالفساد – أيضًا – بسرعة فائقة.
قال صلى الله عليه وسلم: "مَثَلُ الجليس الصالح والجليس السوء كمثل صاحب المسكِ وكير الحدَّاد ، لا يعدمُك من صاحب المسك إما تشتريه أو تجدُ ريحهُ وكيرُ الحدَّاد يُحرِقُ بدنك أو ثوبك أو تجدُ منه ريحًا خبيثة".[رواه البخاري].
وقال تعالى: (وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً * يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلاً * لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلإنْسَانِ خَذُولاً)[الفرقان:27-29]. وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الرجل على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل".[رواه أبو داود].
وفي أثر البيئة يقول الله تعالى: (وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِداً كَذَلِكَ نُصَرِّفُ الآياتِ لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ)[الأعراف:58]. ولهذا الموضوع جانبان:
1- جانب سلبي وهو إبعاد الطفل عن قرناء السوء.
2- جانب إيجابي وهو إيجاد صحبة صالحة.
والجانب الإيجابي مهم جداً وهو عبارة عن إيجاد صحبة صالحة؛ لأن الطفل لمرونة طبعه ولوجود قوة المحاكاة عنده يتطبع بسرعة بالأخلاق الحسنة التي يجدها مع معاشرته، وخاصة إذا كانوا أطفالاً مثله، لهذا نجد ابن سينا يركز على هذه الناحية بقوله: "وينبغي أن يكون مع الصبي صبية .. حسنة آدابهم مرضية عاداتهم، فإن الصبي عن الصبي ألقن، وهو عنه آخذ، وبه آنس، وانفراد الصبي الواحد بالمؤدب أجلب الأشياء لضجره، فإذا راوح المؤدب بين الصبي والصبي كان ذلك أدنى للسآمة وأبقى للنشاط، وأحرص للصبي على التعلم".
والسر في أن الطفل يتأثر كثيرًا بسلوك المحيطين، هو ما يقرره علماء التربية والنفس من أنه من حاجات الطفل النفسية الحاجة إلى التقدير، ثم هو يظن في السنوات الأولى من حياته أن كل ما يفعله الناس المحيطون به حسن وعليه أن يقلدهم لينال تقديرهم، وليجد القبول والترحيب منهم؛ لهذا فهو يحاول أن يحاكيهم بالضبط كالمثل تمامًا، ويساعده على ذلك أن ما أوتي الطفل من قوة المحاكاة لا يقل عن قوة المحاكاة الموجودة لدى الممثل الماهر، لذا يجب استغلال هذا الاستعداد الموجود لدى الأطفال بالاستحسان الذي يتناسب مع ما يبذلون من جهد لأعمال حميدة.
ولهذا تكون التربية في هذه المرحلة ميسورة بالتلقين والإيحاء والقدوة الحسنة ممن حوله، ولهذا نجد في الإسلام مبدأ القدوة الحسنة، وبناء على ذلك فعلى المربي أن يمثل في حياته ما يدعو إليه كما كان عليه الرسول صلى الله عليه وسلم في تعاليمه، فلو لم يكن الرسول خير قدوة لغيره فيما يدعو إليه لما كان استطاع أن يربي أصحابه على النحو الذي نعرفه، ولهذا السبب نفسه تفسد أخلاق الطفل بسرعة إذا كان المحيطون به سيئي الأخلاق.
والإسلام يجعل الأسرة هي اللبنة الأولى في بناء الأفراد، والمحضن الذي فيه تتلقى رصيدها من الحب والتعاون والتكافل والبناء ، فالطفل الذي يحرم من محضن الأسرة ينشأ غير طبيعي في كثير من جوانب حياته ، مهما توافرت له وسائل الراحة والتربية في غير محيط الأسرة، وأول ما يفقده في أي محضن آخر غير الأسرة هو شعور الحب .
فقد ثبت أن الطفل بفطرته يحب أن يستأثر وحده بأمه فترة العامين الأولَين من حياته، ولا يطيق أن يشاركه فيها أحد، وفي المحاضن الصناعية لا يمكن أن يتوفر هذا، إذ تقوم الحاضنة بحضانة عدة أطفال يتحاقدون فيما بينهم على الأم الصناعية المشتركة، وتبذر في قلوبهم بذرة الحقد، فلا تنمو بذرة الحب أبدًا، كذلك يحتاج الطفل إلى سُلطة واحدة ثابتة تشرف عليه فترة من حياته كي يتحقق له ثبات الشخصية، وهذا ما لا يتيسر إلا في محضن الأسرة الطبيعي، فأما في المحاضن الصناعية فلا تتوفر السلطة الثابتة لتغير الحاضنات بالمناوبة على الأطفال، فتنشأ شخصياتهم مُخَلْخَلة، ويُحرَمُون ثبات الشخصية.
والتجارب في المحاضن تكشف في كل يوم عن حكمة أصيلة في جعل الأسرة هي اللبنة الأولى في بناء المجتمع السليم الذي يستهدف الإسلام إنشاءه على أساس الفطرة السليمة.
المصدر :" كتاب قواعد تكوين البيت المسلم لأكرم رضا " " بتصرف "